إعداد: فتحي مجدي
أشعلت الصور المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم- التي نشرتها صحيفة دانماركية وصحف أوروبية أخرى- نار الغضب في نفوس ملايين المسلمين في جميع أرجاء العالم، الذين هبَّوا للدفاع عن نبيهم الكريم في مواجهة هذه الإهانات والإساءات، التي جاءت على شكل رسوم كاريكاتيرية تسخر من النبي وتصوره إحداها، وهو يرتدي عمامة على هيئة قنبلة تنفجر، في محاولة واضحة لتشويه صورة – خاتم الأنبياء - وربطها في أذهان الغربيين بما يسمونه "الإرهاب"، وذلك تحت دعوى حرية الرأي والتعبير!!
وشهدت دول العالم الإسلامي مظاهرات ومسيرات احتجاجية واسعة، شارك فيها الملايين من المسلمين، الذين استفزتْهم وأثارت مشاعرهم تلك الصور المسيئة للنبي، عبروا خلالها عن رفضهم لهذه الإساءات، التي تتنافى مع احترام المعتقدات والأديان السماوية، خلافًا لما تنصّ عليه القوانين والأعراف الدولية من احترام الرسل والأنبياء.
وكان الهدف من هذه التظاهرات إلى جانب إبداء الغضب تجاه نَشْر هذه الصور، هو دعوة الحكومات الإسلامية من إندونيسيا إلى المغرب وحثها على اتخاذ موقف موحد من هذه القضية، حتى لا تتكرر مثل هذه الإساءات مرة ثانية، وخاصة بعد أنْ دأبَ الإعلام الغربي في السنوات الأخيرة على السخرية من الإسلام والمسلمين.
وكان القاسم المشترك في جميع المظاهرات الاحتجاجية على الإساءة للرسول، هو مطالبة الحكومة الدانماركية بتقديم اعتذار رسمي على ما قامت به الصحيفة، وتبنِّي حملة لمقاطعة السلع والمنتجات الدانماركية التي يتمّ تصديرها إلى الدول الإسلامية. إلا أنّ حدة الغضب وصلت في بعض البلدان، إلى حدّ إحراق مَقَرّات البعثات الدبلوماسية، مثلما حدث في سوريا عندما أحرق المتظاهرون مقرَّيْ السفارتين الدانماركية والنرويجية في دمشق، وفي لبنان؛ حيث اقتحم المتظاهرون القنصلية الدانماركية، وأضرموا النيران فيها.
صبيانية حضارات
وقد دفعت قضية الرسوم التي تفجرتْ منذ سبتمبر 2005م، إلى إثارة التساؤل عما إذا كان ذلك مقدمة لصراع الحضارات بين الإسلام والغرب، وفقًا لنبوءة الكاتب الأمريكي صامويل هنتنجتون التي كان لها صدى واسع في الأوساط السياسية الدولية، لمكانة صاحبها العلمية وقربه من الدوائر السياسية الأمريكية.
وتناول الكاتب الصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك هذا الموضوع، في مقال نشرتْه صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، في 4 فبراير 2006م، رَدّ خلاله على أولئك الذين قالوا بوجود "صدام للحضارات"، بقوله "إنها بالأحرى صبيانية الحضارات"، فالأمر لا يتعلَّق برأيه في مواجهة بين الإسلام والعلمانية؛ لأنّ "المسلمين بكل بساطة ينظرون إلى نبيهم على أنه الرجل الذي اصطفاه الله لتلقِّي الوحي، بينما ننظر نحن (في الغرب) إلى أنبيائنا على أنهم جزء من العهود التاريخية السحيقة لا يتلاءم مع حقوق الإنسان الحديثة".
ويضيف فيسك: "إنّ المسلمين- وخلافًا لنا نحن- يعيشون ديانتهم على الوجه الأكمل. وقد تمكَّنوا من الحفاظ على عقيدتهم رغم مطبات الدهر"، ويقول: "لم يعد هنالك عدد كبير من المسيحيين في أوروبا، والحلّ لا يكمن في أن نهاجم ديانات العالم الأخرى، ونتساءل: لماذا لا يحق لنا أن نتهكم على النبي محمد".
ويهاجم فيسك أيضًا القادة السياسيين الذين تذرَّعُوا بالقول: إنه ليس بإمكانهم التدخل في السياسية التحريرية للصحف، ويقول: "لو كانت تلك الصور تحمل رسمًا لحاخام يهودي يرتدي قبعة في شكل قنبلة لقامت الدنيا ولم تقعد ولصكت آذاننا من كثرة الحديث عن المعاداة للسامية، تمامًا كما يشتكي الإسرائيليون من الرسوم المعادية للسامية في الصحف المصرية". ويُضيف أنّ تشريعات بعض الدول ومن بينها فرنسا وألمانيا والنمسا تمنع نكران وقوع المحرقة اليهودية والآرمنية.
ويتابع فيسك قائلاً: "إنّ الوقت غير مناسب لتسخين وجبة صامويل هنتنجتون حول صراع الحضارات، فإيران يحكمها الأئمة، وكذلك الشأن في العراق الذي لم يكن يتوقع أن تؤدَّى فيه الانتخابات الديمقراطية إلى صعود حكومة أئمة، ولكن ذلك ما يحدث عندما تطيح بالطغاة".
وفي مصر، فازت حركة "الإخوان المسلمون" بـ 20 % من المقاعد في الانتخابات التشريعية الماضية، والآن لدينا حماس في "فلسطين". أليس في كل هذا رسالة معينة فحواها أنّ السياسات الأمريكية بتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط لا تُؤتي أكلها؟ فهؤلاء الملايين من الناخبين فَضَّلوا الإسلام على الأنظمة الفاسدة التي فرضناها عليهم، وأنْ تأتي قضية الرسوم وتصبّ زيتها على هذه النار المشتعلة، فإنّ الأمر في غاية الخطورة".
ويقول فيسك في النهاية: إنّ المسألة ليستْ هي تصوير النبي محمد؛ لأنّ القرآن لا يحرم ذلك على حَدّ تعبيره، "بل إنّ ملايين المسلمين هم الذين يحرّمونه. وإنّ أخطر ما في الأمر هو أنّ تلك الرسوم صورت النبي محمد بصورة العنف، على الشكل الذي يصور به بن لادن، وأعطت صورة عن الإسلام بأنه دين عنف، والأمر غير ذلك، إلا إذا كنا نريد أن نجعله كذلك".
تأجيج الصراع
أما عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، فقد أكَّد في مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" في عددها الصادر في 31 يناير 2006م، أنّ ثمة أمثلة كثيرة تؤكد جميعًا أنّ مسألة العداء للإسلام وصلت إلى درجة من الخطورة تقتضي المعالجة في إطار القانون الدولي، مشيرًا إلى "أن الازدراء بالأديان تحت دعوى حرية التعبير عن الرأي، وإعمالاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ادعاءٌ باطل لا أساس له من الصحة، فليس مِنْ حرية الرأي الإساءة إلى العقائد الدينية للأفراد والجماعات، وتأليب فئات المجتمع بعضها على بعض".
ومثلما انتقد فيسك، القادة السياسيين الذين تذرَّعُوا بالقول: إنه ليس بإمكانهم التدخل في السياسية التحريرية للصحف، يقول التويجري: إنه "ليس من الديمقراطية الحق في شيء أن تمتنع الدول عن التدخّل لرد الاعتبار للمؤمنين بدين مِنَ الأديان من خلال إلزام وسائل الإعلام التي تَرتكب هذا الجرم بالاعتذار لهم، تحت دعوى احترام حرية الصحافة وعدم التدخل في الإعلام؛ لأنّ هذا الموقف الذي يُتخذ باسم الديمقراطية، يفتح الأبواب أمام العدوان على حقوق الإنسان في حرية التفكير والضمير والدين، كما نَصَّتْ على ذلك المادة الثامنة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فازدراء الدين هو خرقٌ للقانون الدولي، وانتهاكٌ لحق من حقوق الإنسان. وفي ذلك تناقض وإخلال بمبدأ من مبادئ الديمقراطية، ولذلك فإنّ هذه المسألة تحتاج إلى إعارتها المزيد من الاهتمام على الصعيد الدولي، بالتفكير في إيجاد آليات قانونية مُلزمة لوضع حَدّ لهذه الظاهرة".
ويحذر التويجري مِن تَفَشِّي ظاهرة ازدراء الأديان؛ "لأنها تساهم في تأجيج صراع الحضارات، في الوقت الذي تتضافر فيه جهود المجتمع الدولي لتعزيز الحوار بين الحضارات، ويسعى العالم إلى الانتقال مِن الحوار إلى التحالف بين الحضارات".
ويرى المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، أنّ حملة الكراهية ضد الأديان، وبصورة خاصة الدين الإسلامي، "هي سباحة ضد التيار، وتعطيل للجهود الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة، وعودة إلى مرحلة (الصراع الدولي) الذي هو نقيض (التفاهم الدولي) والتعايش والتعاون في إطار من الاحترام لميثاق الأمم المتحدة، وللقرارات والمواثيق والإعلانات والعهود الدولية، التي وَضعت الأساس لعالم تحكمه الشرعية الدولية، وتتعايش فيه الأمم والشعوب، وتتحاور وتتحالف على ما فيه الخير للبشر كافة".
ويقول التويجري: "إنّ المسلمين دُعَاةُ حوار بين الحضارات، ودعاة السلام العادل، القائم على احترام الحقوق وعدم التنكر للمواثيق الدولية، ودعاة التعايش بين الأمم والشعوب. والإسلامي ينهى عن ازدراء الأديان، وعن الطعن في عقائد الناس، أو تشويه رموزهم الدينية، وقد عاش أتباع الأديان السماوية في ظل الحضارة الإسلامية أخوةً في الإنسانية، وفي الحياة، وفي المصير المشترك. والمسلمون هم أول من طبق مبادئ حقوق الإنسان والتعايش والاحترام المتبادل، وهذا التزام منهم يُمْلِيه عليهم دينهم الذي يُوجب عليهم التعامل بالحسنَى مع جميع البشر، لا فرق بين أتباع دين وبين غيرهم من أتباع دين آخر.
ويتابع قائلاً: "مِن مُنطلق الإيمان بهذه التعاليم الربانية والتوجيهات الدينية، فإنّ المسلمين بقدر ما يمتنعون عن الإساءة إلى أي دين من الأديان، فإنهم لا يَقبلون بأي حال من الأحوال، أن يسيء غيرُهم إلى دينهم، أو أن يشوه صورته، أو أن يمس رموزه، أو أن يطعن في عقائدهم، أو أن ينال من قداسة كِتَابهم الذي يؤمنون ويهتدون به في حياتهم. هذا موقف المسلمين ممن يشن حربًا عدائية مغرضة على دينهم الحنيف، وعلى نبيهم المصطفى الكريم، في هذه المرحلة التي تتنادى فيه الأمم إلى التحالف بين الحضارات".
موقع تبيان أون لاين
أشعلت الصور المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم- التي نشرتها صحيفة دانماركية وصحف أوروبية أخرى- نار الغضب في نفوس ملايين المسلمين في جميع أرجاء العالم، الذين هبَّوا للدفاع عن نبيهم الكريم في مواجهة هذه الإهانات والإساءات، التي جاءت على شكل رسوم كاريكاتيرية تسخر من النبي وتصوره إحداها، وهو يرتدي عمامة على هيئة قنبلة تنفجر، في محاولة واضحة لتشويه صورة – خاتم الأنبياء - وربطها في أذهان الغربيين بما يسمونه "الإرهاب"، وذلك تحت دعوى حرية الرأي والتعبير!!
وشهدت دول العالم الإسلامي مظاهرات ومسيرات احتجاجية واسعة، شارك فيها الملايين من المسلمين، الذين استفزتْهم وأثارت مشاعرهم تلك الصور المسيئة للنبي، عبروا خلالها عن رفضهم لهذه الإساءات، التي تتنافى مع احترام المعتقدات والأديان السماوية، خلافًا لما تنصّ عليه القوانين والأعراف الدولية من احترام الرسل والأنبياء.
وكان الهدف من هذه التظاهرات إلى جانب إبداء الغضب تجاه نَشْر هذه الصور، هو دعوة الحكومات الإسلامية من إندونيسيا إلى المغرب وحثها على اتخاذ موقف موحد من هذه القضية، حتى لا تتكرر مثل هذه الإساءات مرة ثانية، وخاصة بعد أنْ دأبَ الإعلام الغربي في السنوات الأخيرة على السخرية من الإسلام والمسلمين.
وكان القاسم المشترك في جميع المظاهرات الاحتجاجية على الإساءة للرسول، هو مطالبة الحكومة الدانماركية بتقديم اعتذار رسمي على ما قامت به الصحيفة، وتبنِّي حملة لمقاطعة السلع والمنتجات الدانماركية التي يتمّ تصديرها إلى الدول الإسلامية. إلا أنّ حدة الغضب وصلت في بعض البلدان، إلى حدّ إحراق مَقَرّات البعثات الدبلوماسية، مثلما حدث في سوريا عندما أحرق المتظاهرون مقرَّيْ السفارتين الدانماركية والنرويجية في دمشق، وفي لبنان؛ حيث اقتحم المتظاهرون القنصلية الدانماركية، وأضرموا النيران فيها.
صبيانية حضارات
وقد دفعت قضية الرسوم التي تفجرتْ منذ سبتمبر 2005م، إلى إثارة التساؤل عما إذا كان ذلك مقدمة لصراع الحضارات بين الإسلام والغرب، وفقًا لنبوءة الكاتب الأمريكي صامويل هنتنجتون التي كان لها صدى واسع في الأوساط السياسية الدولية، لمكانة صاحبها العلمية وقربه من الدوائر السياسية الأمريكية.
وتناول الكاتب الصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك هذا الموضوع، في مقال نشرتْه صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، في 4 فبراير 2006م، رَدّ خلاله على أولئك الذين قالوا بوجود "صدام للحضارات"، بقوله "إنها بالأحرى صبيانية الحضارات"، فالأمر لا يتعلَّق برأيه في مواجهة بين الإسلام والعلمانية؛ لأنّ "المسلمين بكل بساطة ينظرون إلى نبيهم على أنه الرجل الذي اصطفاه الله لتلقِّي الوحي، بينما ننظر نحن (في الغرب) إلى أنبيائنا على أنهم جزء من العهود التاريخية السحيقة لا يتلاءم مع حقوق الإنسان الحديثة".
ويضيف فيسك: "إنّ المسلمين- وخلافًا لنا نحن- يعيشون ديانتهم على الوجه الأكمل. وقد تمكَّنوا من الحفاظ على عقيدتهم رغم مطبات الدهر"، ويقول: "لم يعد هنالك عدد كبير من المسيحيين في أوروبا، والحلّ لا يكمن في أن نهاجم ديانات العالم الأخرى، ونتساءل: لماذا لا يحق لنا أن نتهكم على النبي محمد".
ويهاجم فيسك أيضًا القادة السياسيين الذين تذرَّعُوا بالقول: إنه ليس بإمكانهم التدخل في السياسية التحريرية للصحف، ويقول: "لو كانت تلك الصور تحمل رسمًا لحاخام يهودي يرتدي قبعة في شكل قنبلة لقامت الدنيا ولم تقعد ولصكت آذاننا من كثرة الحديث عن المعاداة للسامية، تمامًا كما يشتكي الإسرائيليون من الرسوم المعادية للسامية في الصحف المصرية". ويُضيف أنّ تشريعات بعض الدول ومن بينها فرنسا وألمانيا والنمسا تمنع نكران وقوع المحرقة اليهودية والآرمنية.
ويتابع فيسك قائلاً: "إنّ الوقت غير مناسب لتسخين وجبة صامويل هنتنجتون حول صراع الحضارات، فإيران يحكمها الأئمة، وكذلك الشأن في العراق الذي لم يكن يتوقع أن تؤدَّى فيه الانتخابات الديمقراطية إلى صعود حكومة أئمة، ولكن ذلك ما يحدث عندما تطيح بالطغاة".
وفي مصر، فازت حركة "الإخوان المسلمون" بـ 20 % من المقاعد في الانتخابات التشريعية الماضية، والآن لدينا حماس في "فلسطين". أليس في كل هذا رسالة معينة فحواها أنّ السياسات الأمريكية بتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط لا تُؤتي أكلها؟ فهؤلاء الملايين من الناخبين فَضَّلوا الإسلام على الأنظمة الفاسدة التي فرضناها عليهم، وأنْ تأتي قضية الرسوم وتصبّ زيتها على هذه النار المشتعلة، فإنّ الأمر في غاية الخطورة".
ويقول فيسك في النهاية: إنّ المسألة ليستْ هي تصوير النبي محمد؛ لأنّ القرآن لا يحرم ذلك على حَدّ تعبيره، "بل إنّ ملايين المسلمين هم الذين يحرّمونه. وإنّ أخطر ما في الأمر هو أنّ تلك الرسوم صورت النبي محمد بصورة العنف، على الشكل الذي يصور به بن لادن، وأعطت صورة عن الإسلام بأنه دين عنف، والأمر غير ذلك، إلا إذا كنا نريد أن نجعله كذلك".
تأجيج الصراع
أما عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، فقد أكَّد في مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" في عددها الصادر في 31 يناير 2006م، أنّ ثمة أمثلة كثيرة تؤكد جميعًا أنّ مسألة العداء للإسلام وصلت إلى درجة من الخطورة تقتضي المعالجة في إطار القانون الدولي، مشيرًا إلى "أن الازدراء بالأديان تحت دعوى حرية التعبير عن الرأي، وإعمالاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ادعاءٌ باطل لا أساس له من الصحة، فليس مِنْ حرية الرأي الإساءة إلى العقائد الدينية للأفراد والجماعات، وتأليب فئات المجتمع بعضها على بعض".
ومثلما انتقد فيسك، القادة السياسيين الذين تذرَّعُوا بالقول: إنه ليس بإمكانهم التدخل في السياسية التحريرية للصحف، يقول التويجري: إنه "ليس من الديمقراطية الحق في شيء أن تمتنع الدول عن التدخّل لرد الاعتبار للمؤمنين بدين مِنَ الأديان من خلال إلزام وسائل الإعلام التي تَرتكب هذا الجرم بالاعتذار لهم، تحت دعوى احترام حرية الصحافة وعدم التدخل في الإعلام؛ لأنّ هذا الموقف الذي يُتخذ باسم الديمقراطية، يفتح الأبواب أمام العدوان على حقوق الإنسان في حرية التفكير والضمير والدين، كما نَصَّتْ على ذلك المادة الثامنة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فازدراء الدين هو خرقٌ للقانون الدولي، وانتهاكٌ لحق من حقوق الإنسان. وفي ذلك تناقض وإخلال بمبدأ من مبادئ الديمقراطية، ولذلك فإنّ هذه المسألة تحتاج إلى إعارتها المزيد من الاهتمام على الصعيد الدولي، بالتفكير في إيجاد آليات قانونية مُلزمة لوضع حَدّ لهذه الظاهرة".
ويحذر التويجري مِن تَفَشِّي ظاهرة ازدراء الأديان؛ "لأنها تساهم في تأجيج صراع الحضارات، في الوقت الذي تتضافر فيه جهود المجتمع الدولي لتعزيز الحوار بين الحضارات، ويسعى العالم إلى الانتقال مِن الحوار إلى التحالف بين الحضارات".
ويرى المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، أنّ حملة الكراهية ضد الأديان، وبصورة خاصة الدين الإسلامي، "هي سباحة ضد التيار، وتعطيل للجهود الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة، وعودة إلى مرحلة (الصراع الدولي) الذي هو نقيض (التفاهم الدولي) والتعايش والتعاون في إطار من الاحترام لميثاق الأمم المتحدة، وللقرارات والمواثيق والإعلانات والعهود الدولية، التي وَضعت الأساس لعالم تحكمه الشرعية الدولية، وتتعايش فيه الأمم والشعوب، وتتحاور وتتحالف على ما فيه الخير للبشر كافة".
ويقول التويجري: "إنّ المسلمين دُعَاةُ حوار بين الحضارات، ودعاة السلام العادل، القائم على احترام الحقوق وعدم التنكر للمواثيق الدولية، ودعاة التعايش بين الأمم والشعوب. والإسلامي ينهى عن ازدراء الأديان، وعن الطعن في عقائد الناس، أو تشويه رموزهم الدينية، وقد عاش أتباع الأديان السماوية في ظل الحضارة الإسلامية أخوةً في الإنسانية، وفي الحياة، وفي المصير المشترك. والمسلمون هم أول من طبق مبادئ حقوق الإنسان والتعايش والاحترام المتبادل، وهذا التزام منهم يُمْلِيه عليهم دينهم الذي يُوجب عليهم التعامل بالحسنَى مع جميع البشر، لا فرق بين أتباع دين وبين غيرهم من أتباع دين آخر.
ويتابع قائلاً: "مِن مُنطلق الإيمان بهذه التعاليم الربانية والتوجيهات الدينية، فإنّ المسلمين بقدر ما يمتنعون عن الإساءة إلى أي دين من الأديان، فإنهم لا يَقبلون بأي حال من الأحوال، أن يسيء غيرُهم إلى دينهم، أو أن يشوه صورته، أو أن يمس رموزه، أو أن يطعن في عقائدهم، أو أن ينال من قداسة كِتَابهم الذي يؤمنون ويهتدون به في حياتهم. هذا موقف المسلمين ممن يشن حربًا عدائية مغرضة على دينهم الحنيف، وعلى نبيهم المصطفى الكريم، في هذه المرحلة التي تتنادى فيه الأمم إلى التحالف بين الحضارات".
موقع تبيان أون لاين