المساواة بين المرأة والرجل هي تعبيرٌ غير دقيق لمحاولة حصول المرأة على حقوق يتمتع بها الرجل دونها.. فهي تعبير مجازي لا يصلح برأيي للهدف المنشود منه. فالاختلاف بين الرجل والمرأة أمرٌ ضروري وحيوي في الحياة وهذا الاختلاف لا يشمل الصفات البيولوجية والشكلية فحسب بل يتطرق أيضاً إلى اختلافات فيزيولوجية ونفسية وعاطفية لا يمكن أن تكون متساوية بينهما ولا تصبح الحياة طبيعية دون هذه الاختلافات, فلابد أن يجد الرجل نقصا فيه يجعله بحاجة للأنثى والعكس صحيح, وهو أمرٌ طبيعي وضعه الله فينا ليخلق الحب والرغبة في تشارك الحياة ومن ثم التناسل والاستمرار. كمثال على ذلك: إن الرجل مهما كان عاطفياً وحنوناً فإنه غالبا ما يعجز عن القيام بدور الأم في حال غيابها (رغم أني أجد المرأة أقدر على القيام بالدورين معاً في حال غياب الأب).
المساواة برأيي لها معايير معينة قانونية واجتماعية كثيرة أذكر منها:
- موقف محدد في القانون تجاه الذكر والأنثى وعدم التفرقة بينهما في كل الأحكام والإجراءات القانونية وأمور الإرث وما شابه.
- التعليم بحسب القدرات والتعيين في الوظائف حسب الكفاءات.
- التعاون في الأعمال المنزلية.
- عمل المرأة في المجتمع أمرٌ مقدس وحق طبيعي لها.
- تعديل القوانين الاجتماعية والدينية للزواج والتي تقول بسيادة الرجل على المرأة بحيث تصبح علاقة محبة وتعاون (دون وجود سيد ومسيود), فلا يحق للرجل إطلاق الأوامر والبت وحده بالأمور المصيرية والتعدي على حقوق المرأة الإنسانية والمدنية تحت طائلة المسائلة القانونية والاجتماعية وهي الأهم. والعكس أيضاً صحيح إذ لا يحق للمرأة أن تسود على الرجل وأن تتسلط برأيها فيما يخص شؤون الأسرة باسم المساواة.
في بلادنا يبدو أن حصول المرأة على مساواة وعدل وهمٌ وسراب بعيد المنال. فقد ظنت المرأة أن العلم يؤمن لهن العمل والدخل الاقتصادي الذي يجعلها حرة متساوية مع الرجل بحيث تنال حقوقها كاملة. لكن ما أراه على أرض الواقع مختلف. فالشيء الجيد الذي قدمه العمل للمرأة هو بناء شخصيتها واتساع أفقها الذي كان محصوراً بالبيت والأولاد والمطبخ,كما أمّن لها دخلاً مادياً يجعلها تشعر باستقلاليتها وإمكانية الوقوف مع الرجل في المنزل والمشاركة في بناء البيت, أو الوقوف أمام الرجل والانفصال عنه في حالة الخلاف أو بدلاً عنه في حالة الوفاة.
لكن العمل والثقافة بالمقابل أثرا سلباً على نعمة الجهل التي كانت تجعل نساءنا تقنع بما يملكن من حقوق قليلة وتسعدن بحياتهن مهما كان فيها سلبية ومُهانة, وجعلت المرأة تقضي نصف يومها في العمل لتعود إلى المنزل فتجد أعمال البيت مطلوبة منها وحدها, رغم وجود استثناءات ورجال يقدرون العبء الكبير الذي تعاني منه زوجاتهم, فيقدمون يد المساعدة. لكن الأغلبية الساحقة من نسائنا جَنَت من عملها خارج المنزل تعباً إضافياً ووقتاً أقل لإنجاز أعمالها المنزلية وتحضير الطعام وتدريس أولادها (سيما أن مدارسنا تعتمد على الأهل الذين أصبحوا مدرسين من الدرجة الأولى). وتصل المرأة في نهاية اليوم إلى فراشها منهكة بحيث أنها قد تتمنى لو لم تتعلم وتعمل وتطالب بالمساواة الوهمية والتي للأسف كانت لمصلحة الرجل وحده في هذا المجتمع الذكوري, حيث أمنت له دخلاً إضافياً يرفع عن كاهله عبئاً مادياً يأتيه من زوجته المطالبة بجميع واجباتها الزوجية والعائلية في المنزل, دون أن يفهم أن المشاركة يجب أن تتم في الداخل والخارج وأنه عندما يكون من واجب المرأة مساعدة الرجل مادياً إذن من واجبه مساعدتها في المنزل. وهذا لا يعني بالضرورة وضع المريلة والوقوف في المطبخ لمن لا يرغب, بل قد تكون المساعدة بأمور أبسط تتحمل المرأة عبئها في المنزل ويستطيع الرجل القيام بها دون أن تُخدش رجولته الشرقية.
مساعدة بسيطة ومشاركة حقيقية قد تجعل زوجته تشعر بأنها نالت المساواة الحقيقية على الأقل داخل منزلها, باعتبار أن حصولها على حقوق مساوية للرجل في مجتمعنا أمرٌ يحتاج إلى نضال طويل الأمد, ليس ضد القانون فحسب بل ضد العقلية الشرقية والتفكير ضيق الأفق الذي يضع حدوداً لمهام الزوج والزوجة, وليس ضد الرجال وحدهم بل ضد النساء اللواتي يحاربن تقدم المرأة. وهم برأي العقبة الأكبر,وإن كان الرجل حجر عثرة في طريق تحرر المرأة فإن المرأة هي صخرة صلبة في طريق تحررها, لأن هؤلاء الرجال غالباً لم يحصلوا على أفكارهم التي تعظم الرجل وتهمش المرأة إلا من أمهاتهم. ولكي نصل إلى حل لهذه المشكلة الاجتماعية الضخمة يجب أن نبدأ من الأجيال القادمة.. من الأطفال فنربيهم على المساواة وعدم التفرقة بين ذكر وأنثى. وهذه المسؤولية تقع على عاتق الأب والأم معاً,وقد لا يلام الأب الذي يربي ابنه كما تربى هو بقدر ما تلام الأم التي تربي ابنها على أن يكون السيد وابنتها على أن تخدم أخيها وتبقى تحت إمرته لأنها أنثى.
إذا لم نصل إلى ذلك الزمن الذي يكبر فيه الطفل والطفلة مع الشعور بالمساواة وبأن لهما ذات الحقوق والواجبات, وأن اختلافهما فقط اختلافٌ طبيعي المنشأ لابد للمجتمع وللقوانين فيه وهو اختلافٌ جميل وهام يعطي الحياة نكهتها, إذا لم يشعران بذلك لن نصا إلى نتيجة وأظن أنه لا يحق للمرأة أن تطالب بالمساواة إذا لم تخلقها بين أطفالها أولاً...
( منقول )