فرق الموت الإسرائيلية تجتاح نابلس وتنشر الموت
الخميس ٢٠ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦
بقلم ميرفت الشافعي
مع إطلالة شمس 6-4-2006 ، كان ذكرى اجتياح مدينة نابلس في الضفة الغربية ، وفي ذلك اليوم وكما اعتادت المدينة على الهجمة العسكرية الإسرائيلية عليها ، اجتاحت فرق الموت الإسرائيلية المدينة لإكمال سيناريو القتل العمد ، مع وجود كلمة تقترن بها وهي " اقتل وأسفك الدماء وابتسم " .
الشهيد سامح الشافعيرائحة الموت التي امتلأت بها زوايا المكان ، لا نزال نراها في صور الشهداء ، وآثار الدمار ، الذي خلفته الآلة العسكرية الإسرائيلية . ولنابلس النصيب الأكبر من هذا الدمار ، فهي تتعرض لاقتحامات متكررة من قبل قوات الاحتلال ، التي تدعي أنها تسعى لاعتقال المطلوبين والقضاء على بنية التنظيمات الفلسطينية في المدينة . ومن هنا تسعى إسرائيل إلى نبش القبور ، التي نراها يومياً من فرق الموت والوحدات الخاصة الإسرائيلية ، التي انتشرت في المدينة لتلذذ في قتل الفلسطينيين وإذلالهم .
الشهيد سامح نزار الشافعي ( 17 ) عاماً ، خرج من بيته ، متوجهاً إلى مدرسته وهو مبتسم ، كما هو دائماً ، لا يعرف غير الابتسامة لإسعاد نفسه ومن حوله من العائلة أو الأقارب والمعارف ، اختلط دمه الطاهر بالعشب الأخضر ، عندما أصيب بعيار ناري مطاطي في الرأس ، أدى إلى نزيف دماغي حاد مع تهتك في أنسجة الدماغ ووجود كسر متعدد في قعر الجمجمة من الأمام ، وخروج الدماغ للخارج من خلال جرح فروة الرأس ، مع تورم دماغي حاد . أطلق الرصاص عليه أحد الجنود الإسرائيليين بينما كان متوجهاً إلى مدرسته ، فتح الجندي نيران سلاحه نحوه رغم أن الشهيد لم يكن من راشقي الحجارة ، فقد طلب الشهيد من جنود إحدى الدوريات المرور ورفع يده عالياً وهو يقول لهم أنه لا يرشق الحجارة ، فما كان من أحد أفراد الدورية إلا أن صوب سلاحه نحوه ، وأطلق النار عليه ، ولوح الجندي للشهيد قبل قتله بيده وقال له " باي " ولم يكتفي بذلك ، بل ضحك أيضاً هو ومن معه من الجنود ، ما أدى إلى إصابته بجروح بليغة استشهد متأثراً بها . وهذا ما أكده العديد من الأشخاص الذين يقيمون في المنازل ، التي تحيط بالسهل الذي وقع فيه الحادث ، وكانوا يصيحون : إسعاف ، إسعاف .
المصور الصحفي شادي منى ، الذي كان في منطقة الحادث وشاهد عملية القتل العمد ، قال : رأيت أبشع الجرائم التي يرتكبها جنود الاحتلال ، فقد أطلق الجنود الرصاص على جبين الشهيد سامح من مسافة قصيرة جداً تتراوح ما بين ال10 – 15 متر ، مع التأكيد على عدم وجود مواجهات في المنطقة أو رشق للحجارة ، قتلوا سامح وهم يضحكون ، قتلوه بدم بارد .
ناجح السابح ، صور ما حصل مع الشهيد سامح ، جميع مشاهد الجريمة ، قال : رأيت في منطقة الحادث شاباً قادم من السهل ورافع يديه ويقول أريد أن أمشي ، ولعدم وجود مواجهات في المنطقة أطفأنا الكاميرات ، وبعد ذلك سمعنا طرق ناري واحد ، والجندي الذي أطلق الرصاص كان يضحك ، وبعدها وجدت شاباً ملقى على الأرض ، أطلق الجنود الرصاص بدم بارد وقتلوه ، مع العلم أنه لم تكن مواجهات في المنطقة .
سامح يرفع يديه قبل استشهادهأمجد قذيح ، مسعف في الإغاثة الطبية ، قال : كنا متواجدين بالقرب من مدرسة جردانة ، فرأينا الشهيد سامح رافعاً يديه ويريد المرور ، فقام أحد الجنود بإطلاق النار عليه ، وبعدها وجدنا الشهيد ملقى على الأرض ، رأينا منظر فظيع جدا ، الإصابة كانت في جبينه . قتلوه ولم يكن يحمل حجراً في يديه ، ومن مسافة قريبة جداً .
والشهيد كان متميزاً في بيته وبين أصدقائه وأيضا الجيران والمعارف ، شقيقة الشهيد ميرفت قالت : حادثة الاغتيال تلذذ بها الجندي لأنه ضحك بعد إطلاق الرصاص على الشهيد سامح ، الذي عرف بطيبته وتسامحه ومرحه وابتسامته الدائمة التي تشع نوراً ، كيف لا وهو من كان روح البيت وسعادته ، فقد فقدنا مع كل قطرة دم نزلت من جبينه السعادة والروح والطفولة البريئة ، ومن كان يريد أن يرى التسامح والطيبة ينظر فقط في عينيه البريئتين ، فقد كان طيباً ومرحاً مع الجميع ، ويحب الخير للجميع ، فلا أتذكر يوماً طلبنا منه شيئاً إلا نفذه بدون مناقشة ، لأنه كان مثالاً للشاب الخلوق والمؤدب والكريم ، لكن رصاصات الغدر قتلت طفولته وابتسامته البريئة . كان يعتبر أخاً وابناً للجميع ، بكاه الجميع ، فقد خرجت نابلس بموكب جنائزي مهيب لتوديعه ، حتى أن من ودعه يعرف أن الشهيد أوصل لنا رسالة مفادها : " لا تبكوني ، وإذا أردتم البكاء ، اجعلوها دموع فرح ، فأنا إلى العلى أرتقي رغم العذاب والجرح " . " أعلم أن صورتي محفورة في قلوبكم وأعلم أنكم تتألمون على فراقي لكن لا تحزنوا " . رسالة وصلت الجميع لأن من يعرف الشهيد يعلم أنه لم يكن يجعل للحزن مكاناً في قلبه ، ويعلم أنه سبب سعادة أهل بيته ، ويعلم كم هو ودود ومحبوب من عائلته وأصحابه وجيرانه .
قتلوه بدم بارد ، لكن سيبقى في قلوبنا ومعنا ، فها هو بيته كل ركن فيه يقول هنا كان ، وهاهي كتبه وسريره وعطره الخاص يقول سامح ، وها هي والدته ووالده من الصابرين ، والدته احترق قلبها على فلذة كبدها ، ووالده الذي لم يكن يذهب إلا أي مكان إلا والشهيد بجواره ، وهاهم إخوته وأخواته لا يفارقون سامح ، من خلال ذكرياته معهم ، ومن خلال ابتسامته ، فكيف لا يكون معهم وهو جزء منهم ، أخته الكبرى ربته مع والدتها ، وكانت تعتبره أخاً صغيراً وابناً لها ، تذكر طيبته معها ومع أولادها ، كلما نظرت إلى صوره وإلى ملابسه التي استشهد بها لا يستطع أحد أن يوقفها عن البكاء ، إلا الصبر والدعاء ، ولكل أخ أو أخت للشهيد ذكريات جميلة معه لا تستطيع المجلدات أن توفيه حقه .
ولأصدقاء سامح وزملائه في المدرسة ، كان نصيباً من الألم ، فقد كان صديقاً بمعنى الكلمة ، طيباً معهم ، والآن من يزور مدرسته يجد صوره وإكليلاً تم وضعه في مقعده ، فكيف يستطيع زملاءه الدراسة من غير وجود سامح ، من غير ابتسامته البريئة .
سامح نعى الأمة العربية ، هذا ما وجدناه في كتابه المدرسي ، نعاها لأنه يعلم أنه لا يوجد أمة عربية في هذا الزمان ، كتب : تقبل التعازي في منظمة المؤتمر الإسلامي ، إنا لله وإنا إليه راجعون .
وكان للشهيد وفا ميسرة يعيش ( 24 ) قصة ، لا تختلف كثيراً عن قصة الشهيد سامح ، فقد استشهد ، وأصيب خاله فتح الله يعيش 65 عاماً ونجلاه : عيد وطارق بجروح متوسطة ، وبحسب رواية والد الشهيد ميسرة يعيش فإنه سمع حركة غريبة حول منزله عند الساعة الثالثة فجراً ، واعتقد أن هناك لصوصاً يحاولون الدخول إلى منزله فاتصل على الفور بابنه ميسرة الذي كان نائما في بيت خاله غرب المدينة وأبلغه بالأمر .
وأضاف والد الشهيد : حضر ميسرة وخاله فتح الله وابنا خاله طارق وعيد بسيارتهم لاستطلاع الأمر وما أن توقفت سيارتهم أمام المنزل وهمو بالنزول منها ، حتى أطلقت عليهم النار مما أدى إلى إصابة فتح الله وولديه فيما تمكن ميسرة من الاختباء جانباً . وعندما رأينا ما حدث نزلنا لإسعاف الجرحى ، وبعد ذلك حاول ميسرة الاقتراب منا وعندها قام جنود إسرائيليون بإطلاق النار عليه من دورية عسكرية كانت على بعد عدة أمتار مما أدى إلى استشهاده . ونفى أفراد العائلة أن يكون الشهيد ميسرة وأقاربه الذين حضروا معه مسلحين ، وأكدوا أنه لم يكن بحوزتهم سوى عكاز فتح الله الذي كان يتكىء عليه . كما نفوا أن يكون أي تبادل لإطلاق النار قد وقع في المكان . وقال شاهد عيان كان يسكن بجوار منزل عائلة يعيش بأنه شاهد ن نافذة منزله عند الساعة الثالثة فجراً نحو 15 جندياً إسرائيليا حول منزل عائلة يعيش قبل حدوث إطلاق النار على السيارة .
وقال فراس خضر سائق سيارة الإسعاف التابعة للجان الرعاية الصحية أن جنود الاحتلال اجبروه على المرور على مسامير وأسلاك شائكة كانوا يضعونها على الأرض مما أدى إلى إعطاب عجلات السيارة ، رغم إبلاغه الجنود بأنه يقل في سيارته جريحاً لنقله إلى المستشفى ، مضيفا أن محاولاته باءت بالفشل لإقناع الجنود بالسماح له بنقل الجريح الذي كان يعاني ن إصابة في يده إلى المستشفى ، وتم احتجازه لأكثر من ساعتين قبل أن يسمحوا له بالمرور ، رغم أنه لا يبعد سوى بضعة أمتار عن المستشفى .
هنا سامح ووفا قتلوا بدم بارد ، مع ضحكة من جندي لا يعرف إلا التلذذ في القتل ، لكن روحهم الطاهرة ستبقى موجودة معنا ، ويبقى السؤال من سننعى في جرائدنا ، ومن القادم ، طالما يوجد رخصة بالقتل وسفك الدماء .