المسجد الاقصى:
كان يطلق قديماً على الحرم القدسي الشريف كله، وما فيه من منشآت أهمها قبة الصخرة المشرفة التي بناها عبد الملك بن مروان سنة 72هـ. أما اليوم فيطلق الاسم على المسجد الكبير الكائن جنوب ساحة الحرم، والمحقق أن الذي أمر ببنائه عبد الملك بن مروان، وتم بناؤه في عهد الوليد بن عبد الملك، وقد مر المسجد بأطوار بعد بنائه الاول. حيث بني ورمم عدة مرات.
ففي سنة 130هـ حدث زلزال سقط بسببه شرقي المسجد وغربيه، فبناه المنصور العباسي.
وفي سنة 158هـ سقط ما بناه المنصور بسبب زلزال آخر، فأعاد بناءه الخليفة المهدي، وفي سنة 425هـ حدث زلزال آخر فخرب المسجد خراباً كبيراً، فعمره الخليفة الفاطمي الظاهر لإعزاز دين الله، وعندما احتله الصليبيون غيروا معالمه فاتخذوا جانباً منه كنيسة، وجانباً لسكنى فرسان الاسبتارية، وأضافوا إليه من الناحية الغربية بناء جعلوه مستودعاً للذخائر.
ولما حرر صلاح الدين القدس، أمر بإصلاح المسجد، وإعادته كما كان قبل احتلال الصليبيين، ثم جرت إصلاحات فيما بعد لم تغير شكله اليوبي.
يبلغ طول المسجد الاقصى من الداخل (80) متراً وعرضه (55) متراً وفيه سبعة أروقة، ترتفع على (53) عموداً من الرخام و(49) سارية من الحجارة. وله أحد عشر باباً سبعة منها في الشمال من أيام الفاطميين، وواحد في الشرق واثنان في الغرب وواحد في الجنوب.
قام الاعداء في 21/8/1969م بإشعال حريق في المسجد، وأتى الحريق على منبر المسجد، وسطحه الجنوبي، وعلى سقف ثلاثة أروقة وجزء كبير من هذا القسم.
وإليكم وصفاً مفصلاً عن المسجد الاقصى، أنقله مما كتبه محمد كرد علي في كتابه خطط الشام، الجزء الخامس: حيث قال:
شيد المسجد الاقصى وقبة الصخرة في مكان تل موريا، وهي منزلة دينية سامية قدسها الوثنيون واليهود والمسيحيون والمسلمون، وربما كانت بيدراً لأحد اليبوسيين سكان فلسطين القدماء، وقد بنى فوقها داود بعد فتحه المدينة مذبحاً تقدم فيه القرابين. وأمر سليمان سنة (1013 ق. م) بإنشاء قصر له مكان المسجد الأقصى وهيكل فخم حيث قبة الصخرة. وقد دمره الكلدانيون سنة (558 ق. م) وفي السنة العشرين قبل الميلاد شرع هيرودس الكبير بإقامة هيكل وبرج عال في المكان نفسه ولم يتمه، ودمره جنود الرومان سنة 70 لما استولى طيطوس على بيت المقدس. وبنى الامبراطور أدريانوس سنة 130م مدينة إيلياء وأمر بتشييد زون كبير للمشتري إله الحرب اثني عشري الشكل فنصب فيه صنماً للمشتري وآخر لديوسقورس أو صنم التوأمين (كاستور وبلوكس) وأقام تمثالاً لنفسه بالقرب من الصخرة المباركة. وقضى الفرس على بيت المقدس لما اكتسحوها سنة (614).
ولما وافى عمر بن الخطاب القدس ذهب تواً الى مكان الحرم الشريف وأزال ما كان فيه من الاقذار، ولما افضت الخلافة الى عبد الملك بن مروان وحيل بين الحرمين الشريفين لقيام عبد الله بن الزبير خليفة في الحجاز أمر بإنشاء المسجد الاقصى وقبة الصخرة في بيت المقدس ورصد لذلك خراج مصر سبع سنين ففرغ في سنة (72هـ) وكتب أسمه منقوشاً بالفسيفساء عند مدخل الصخرة من الباب الجنوبي (بنى هذه القبة عبد الملك.. أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين تقبل الله منه ورضي الله عنه آمين) أما الكتابة الاثرية فهي على المثمنات: بسم الله الرحمن الرحيم. لا إله إلا الله وحده لا شريك له. محمد رسول الله (ص). بنى هذه القبة المباركة. عبد الله عبد [الله الامام المأمون] أمير المؤمنين في سنة أثنتين وسبعين تقبل الله منه ورضي الله عنه آمين. والكلمات الثلاث الموضوعة ضمن قوسين هي بخط أصفر ونقش أغبر وهي كانت ولا شك [الملك بن المأمون فهو صالح ابن يحيى ولكنهم نسوا أن يرفعوا التاريخ الاصلي لبناء القبة وهو سنة 72. وسقط شرقي المسجد وغربيه سنة 130 بالزلازل وكذلك في سنة 158 فجدد في سنة 169 في خلافة المهدي، وقد انقص من طوله وزيد في عرضه، وجدد عمارة قبة الصخرة في أيام المأمون (216) وزلزلت الارض ثالثة (407) فتهدمت قبة الصخرة وبعض الجدران، فجددها الظاهر الفاطمي (413هـ) وزيد فيه زمن الفاطميين البناء المسمى بجامع النساء، وكان في مسجد بيت المقدس ثلاث مقاصير للنساء طول كل مقصورة سبعون ذراعاً. ولما احتل الصليبيون بيت المقدس حولوا قبة الصخرة الى كنيسة، والمسجد الاقصى الى منزل لسكنى ملكهم. ولما استعاده صلاح الدين أعاد الحرم الى ما كان عليه وأمر بترميم محراب الاقصى وكتب عليه بالفصوص المذهبة ما نصه: (بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بتجديد هذا المحراب المقدس، وعمارة المسجد الأقصى الذي هو على التقوى مؤسس، عبد الله ووليه يوسف بن أيوب أبو المظفر الملك الناصر صلاح الدنيا والدين عندما فتحه الله على يديه في شهور سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وهو يسأل الله إذاعة شكر هذه النعمة، وإجزال حظه من المغفرة والرحمة.
وفي سنة (634) عمر في المسجد الملك المعظم عيسى. وفي سنة (668هـ) رم المسجد والصخرة، الظاهر بيبرس. وفي سنة (686) عمر فيه المنصور قلاوون ورم فيه كتب المنصور لاجين والناصر قلاوون في سطنته الثالثة وفي أيامه عمر فيه ايضاً الامير تنكز الناصريز ثم جدد الاشرف شعبان (769هـ) والظاهر برقوق (789) والظاهر جقمق العلائي وفي سنة (877) جدد فيه الاشرف أبو النصر. وفي أيام العثمانيين تمت في الحرم عدة عمارات منها ما جدده سلميان القانوني سنة (969) ومنها ما جدد في سني 1232 و 1256 و1291هـ وبعدها.
* المسجد الاقصى اليوم: ]سنة 1925م[.
هو اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وموقع الحرم على مساحة مربعة طول الضفة الغربية منها 490 متراً والشرقية 474 متراُ والشمالية 321 متراً والجنوبية 283 متراً يحيط بها سور يختلف ارتفاعه بين 30 متراً و 40 متراً ويبغ طول بعض الحجارة فيه خمسة أمتار طولاً في اربعة امتار عرضاً. وحول السور من جهة الغرب والشمال أروقة فسيحة معقودة يتخللها بعض ابواب الحرم وهي 14 باباً. وقد قام جامع الصخرة الشريفة في فناء مربع مفروش بالبلاط المنحوت طوله من القبلة الى الشمال أكثر من عرضه من المشرق الى المغرب وارتفاعه ثلاثة امتار يصعد إليه بادراج من الجهات الاربع، وعقد على كل درج من أعلاه قناطر هيفاء دعمتها عمد من الرخام. والقبة على بناء فخم مثمن الشكل، ذرع كل تثمينة منه 29 ذراعاً وثلث ذراع وقد كسي القسم السفلي من ظاهر بالرخام الابيض المشجر، والقاشاني البديع الذي يترقرق فيه ماء الالوان المتزاوجة، من لازوردي وأخضر قاتم وأبيض ناصع، يعلو ذلك شبه أفريز رسمت عليه آي القرآن. وضع هذا القاشاني في أيام سليمان القانوني سنة (969) هـ وتحتوي كل تثمينة من البناء على سبع طاقات للتي لا باب فيها وعلى ست للتي لها باب. والطاقات المحاذية لأطراف التثمينات مسدودة كلها، والاخرى مركب عليها الزجاج والشبابيك الحديد. ولجامع الصخرة اربعة أبواب مزدوجة داخلاً وخارجاً مربعة الشكل بعقود مقوسة، وأمام الباب الاخير من الخارج رواق مفروش بالرخام عليه سقف مكسو بالقاشاني في وسطه قنطرة معقودة والسقف محمول على ثمانية أعمدة من الرخام مختلفات في النوع واللون، وللباب المذكور على ثمانية أعمدة من الرخام مختلفات في النوع واللون، وللباب المذكور مصراعان ملبسان بالنحاس الأصفر المنقوش، عليها أقفال نفيسة متقنة الوضع.
ويبلغ دور البناء من الداخل 53 متراً وهو مقسم الى ثلاث دوائر يفصل بعضها عن بضع صفان مستديران من الاعمدة والاركان يتألف الاول منها من ثماني سوار مسدسة الاضلاع و16 عموداً منها (ابيض وأزرق) عشرة و(أخضر مرسيني) ثلاثة و(شحم لحم) ثلاثة، والصف الثاني مؤلف من اربع سوار مربعة الاضلاع واثني عشر عموداً منها سبعة (أخضر مرسيني) وخمسة (شحم لحم). والسواري ملبسة بالرخام المشجر والملون البديع، والعمدة قديمة جداً وأكثر تيجانها تدل على أنها من الطراز الروماني أو البيزنطي القديم ويربط أعمدة الصف الاول بعضها ببعض وبالسواري بساتل ملبية بالنحاس الاصفر المنقوش المذهب. وتحمل هذه الاعمدة مع جدار الجامع سقفاً مائلاً بعض الميل مدهوناً بأنواع الدهان قائما على قناطر مرصعة بالفص المذهب متصلاً طرفه الاعلى بكرسي القبة. ويزين باطن القبة مجموعة لا نظير لها من الفصوص الملونة تمثل 64 شكلاً من الزخارف على نحو ما كان يصنعه فنانو البيزنطيين، وهي مركبة على سطح موشى بالذهب وفي كرسي القبة ست عشرة طاقة زجاج مذهبة يعلو كلاً منها طبقة من الجبس، مقسمة عيوناً مغطاة بقطع الزجاج المختلفة الالوان والاشكال، تنفذ منها أشعة الشمس صافية، ملطفة بفضل ألواح الزجاج الخارجية والمشبكات المصنوعة من القاشاني، وعرى هذه الطاقات نقوش تدل أنها صنعت في زمن السلطان سليمان سنة (945) هـ كما أن المرمر الذي يكسوها مركب في زمن السلطان صلاح الدين وجدد في أيام سليمان القانوني.
والصخرة الشريفة قائمة على درابزين من خشب منقوش مدهون بأنواع الاصباغ طولها 17،70 متراً وعرضها 13،50 متراً ويبلغ ارتفاعها عن الارض من جهة القبلة، وعند باب المغارة قنطرة معقودة بالرخام العجيب على عمودين وبباطنها محرابان كل محراب على عمودي رخام لطيفين، وأمام المحراب الايمن صفة تسمى مقام الخضر يواجهها عمود رخام قائم للسقف وآخر راقد، وفي الركن الشمالي منها صفة تسمى باب الخليل، وجميع باطن ارض الصخرة والمغارة مفروش بالرخام، وفي وسط المغارة بلاطة مستديرة ينبعث عنها إذا نقر عليها رنين تتجاوب أصداؤه مما يدل على خلو ما تحتها. وحول الدرابزين الخشب مصلى للنساء وهو محاط بالقضب الحديدية من جميع جهاته، وله أبواب اربعة لا يفتح منها عادة إلا الباب الغربي الموازي لباب النساء وهو من عمل الصليبيين إبان احتلالهم بيت المقدس.
صفة المسجد الاقصى:
يقع المسجد الاقصى جنوبس جامع الصخرة وطوله 80 متراً وعرضه 55 متراً عدا ما أضيف إليه من الابنية، وأول ما يقابلك من هذا المسجد عند مدخله من الجهة الشمالية رواق كبير أنشأه الملك المعظم عيسى صاحب دمشق سنة (634) هـ وجدد من بعده وهو مؤلف من سبع قناطر عقدت على ممشى ينتهي الى سبعة أبواب، كل باب يؤدي الى كور من أكوار المسجد السبعة. وللمسجد عشرة أبواب والبناء قائم على خمسة وأربعين عموداً. والغالب أن هذه الاعمدة قديمة نقلت من أنقاض أبنية متنوعة أقدم عهداً من الحرم. وفوق الاعمدة قناطر يربط بعضها ببعض أخشاب ضخمة مستطيلة، وفوق القناطر صفان من الطاقات ويتألف باطن السقف من عوارض كلها من الخشب. وعدة ما في المسجد من السواري أربعون، وهي ضخمة مربعة الشكل مبنية بالحجارة. وبأقصى الباب من جهة الجنوب قبة مرتفعة مزينة بالفصوص الملونة المذهبة. وهي مما رممه صلاح الدين (584هـ) كما رم أكبر جناحي المسجد. والقبة والجناح على الغالب إنما صنعا في خلافة المهدي بعد تهدم المسجد بفعل الزلازل، وهي كقبة الصخرة من خشبة مكسوة بصفائح الرصاص من ظاهرها وبالفص المذهب من باطنها، ومجدد هذه التزيينات هو الناصر محمد بن قلاوون سنة (72 هـ وهناك آيات قرآنية كتبت بخط كوفي على جانبي المحراب. والمحراب قائم على أعمدة لطاف من المرمر وبجانبه المنبر وهو من الخشب المرصع بالعاج والآبنوس عمل في عصر نور الدين زنكي ويقابل المنبر دكة المؤذنين وهي على عمد من رخام.
ومن داخل المسجد من جهة الغرب جامع النساء أو الجامع الابيض، وهو عبارة عن عشر قناطر على تسع سوار في غاية الاحكام بناه الفاطميون، ومن جهة الشرق جامع عمر وهو معقود بالحجر والجير، سمي بذلك لأنه بقية م الجامع الذي بناه عمر رضي الله عنه حين الفتح. وإلى جانب هذه البناء إيوان من الشمال إيوان لطيف به محراب يسمى محراب زكريا وهو بجوار الباب الشرقي. وفي صحن المسجد الاقصى شمالاً بركة مستديرة من رخام سورت بالقضب الحديدية يقال لها الكأس، يأتيها الماء بأنابيب خاصة من عيون جارية بالقرب من برك المرجيع المسماة ببرك سليمان أهمها عين عطاب ووادي الآبار
ومن الآثار المهم في الحرم، البناء السفلي المعقود بالحجر معروف عند الافرنج بإصطبل سليمان وهو عبارة عن مهد عيسى ومحراب مريم والعقود الواسعة التي يقوم عليها المسجد الاقصى. وكذا البراق الشريف وهو في السور الغربي وجامع المغاربة والمدرسة النحوية المعظمية وفيها اليوم دار كتب المسجد الاقصى وهي من أبنية الملك المعظم (604هـ) ومنبر القاضي برهان الدين بن جماعة ومحرابه. وقبة السلسلة وهي شرقي قبة الصخرة وعلى شكلها صنعت في أيام عبد الملك بن مروان. وقبة المعراج سنة (297)هـ. وسبيل قايتباي (887هـ) وما يحيط بالحرم من المدارس القديمة.
هذا حاضر المسجد الاقصى وما إليه وقد أثرت فيه عوامل الطبيعة كالمطر والشمس والثلج والاعاصير الشديدة فنقبت ما يكنها من صفائح الرصاص. ونخرت ما قامت عليه من الاخشاب منذ زمن بعيد، فبادر المجلس الاسلامي الاعلى الى الكشف عن البناء فتبين أنه يحتاج الى مئة وخمسين الف جنيه على أقل تعديل. وألفت لجنة لعمارته برئاسة المعماري كمال الدين واستصرخ الامم الاسلامية لمعاونته فجمع زهاء ثمانين الف جنيه، وشرع حالاً بما كان أحكم بناؤه من حجر منقوش أو مرمر مسنون أو خزف مصقول أو خشب منجور أو صفر مطلي بالفضة أو مكسو بالتبر، أو فص مذهب مزين ملون مشجر مزهر مرصع موشى منمق، ويوشك بفضل الله أن يعود الى ما كان له من بهجة في الاعصار السالفة.
وصف المقدسي للمسجد الأقصى في القرن الرابع:
وصف المقدسي المسجد الأقصى فقال: هو على قرية البلد الشرقي نحو القبلة طول الحجر عشرة أذرع وأقل، منقوشة موجهة مؤلفة صلبة، وقد بنى عليه عبد الملك بحجارة صغار حسان وكان أحسن من جامع دمشق، لكن جاءت زلزلة في زمن بني العباس فطرحت المغطى إلا ما حول المحراب، فلما بلغ الخليفة خبره قيل له: لا يفي برده الى ما كان بيت مال المسلمين، فكتب الى أمراء الاطراف وسائر القواد أن يبني كل واحد منهم رواقاً فبنوه أوثق وأغلظ صناعة مما كان، وبقيت تلك القطعة شامة فيه وهي الى حد أعمدة الرخام، وما كان من الاساطين المشيدة فهو محدث، وللمغطى ستة وعشرون باباً، باب يقابل المحراب يسمى باب النحاس الاعظم مصفح بالصفر المذهب، لا يفتح مصراعة إلا رجل شديد الباع قوي الذراع، عن يمينه سبعة أبواب كبار في وسطها باب مصفح مذهب وعلى اليسار مثلهن، ومن نحو الشرق أحد عشر باباً سواذج، وعلى الخمسة عشر رواق على اعمدة رخام أحدثه عبد الله بن طاهر، وعلى الصحن من الميمنة أروقة على أعمدة رخام وأساطين وعلى المؤخر أروقة آزاج من الحجارة وعلى وسط المغطى جمل عظيم خلف قبة حسنة والسقوف كلها إلا المؤخر ملبسة بشقاق الرصاص والمؤخر مرصوف بالفسيفساء الكبار والصحن كله مبلط وسطه دكة مثل مسجد يثرب يصعد إليها من الاربعة جوانب في مراق واسعة، وفي الدكة أربع قباب: قبة السلسلة، قبع المعراج، قبة النبي (ص). وهذه الثلاث لطاف ملبية بالرصاص على أعمدة رخام بلا حيطان وفي الوسط قبة الصخرة على بيت مثمن باربعة أبواب كل باب يقابل مرقاة باب القبلي، باب إسرافيل، باب الصور، باب النساء، يفتتح الى الغرب، جميعها مذهبة في وجه كل واحد باب ظريف من خشب التنوب مداخل حسن، أمرت بهن أم المقتدر بالله. وعلى كل باب صفة مرخمة بالتنويه تطبق على الصفرية من خارج. وعلى أبواب الصفاف أبواب ايضاً سواذج داخل البيت ثلاثة أروقة دائرة على أعمدة معجونة أجل من الرخام وأحسن لا نظير لها قد عقدت عليها أروقة لاطية، داخلها رواق آخر مستدير على الصخرة، لا مثمن على أعمدة معجونة بقناطر مدورة فوق هذه منطقة متعالية في الهواء فيها طيقان كبار، والقبة من فوق المنطقة طولها عن القاعدة الكبرى مع السفود في الهواء مائة ذراع، ترى من البعد فوقها سفوه حسن طول قامة وبسطة. والقبة على عظمها ملبسة بالصفر المذهب، وأرض البيت وحيطانه مع المنطقة من داخل وخارج على ما ذكرنا من جامع دمشق. والقبة ثلاثة سافات: الاولى من ألواح مزوقة، والثانية على أعمدة الحديد قد شبكت لئلا تميلها الرياح، ثم الثالثة من خشب عليها الصفائح وفي وسطها طريق الى عند السفود يصعدها الصناع لتفقدها ورمها، فإذا بزغت عليها الشمس أشرقت القبة وتلألأت المنطقة ورأيت شيئاً عجيباً. وعلى الجملة لم أر في الاسلام ولا سمعت أن في الشرك مثل هذه القبة، ويدخل الى المسجد من ثلاثة عشر موضعاً بعشرين باباً.
كان يطلق قديماً على الحرم القدسي الشريف كله، وما فيه من منشآت أهمها قبة الصخرة المشرفة التي بناها عبد الملك بن مروان سنة 72هـ. أما اليوم فيطلق الاسم على المسجد الكبير الكائن جنوب ساحة الحرم، والمحقق أن الذي أمر ببنائه عبد الملك بن مروان، وتم بناؤه في عهد الوليد بن عبد الملك، وقد مر المسجد بأطوار بعد بنائه الاول. حيث بني ورمم عدة مرات.
ففي سنة 130هـ حدث زلزال سقط بسببه شرقي المسجد وغربيه، فبناه المنصور العباسي.
وفي سنة 158هـ سقط ما بناه المنصور بسبب زلزال آخر، فأعاد بناءه الخليفة المهدي، وفي سنة 425هـ حدث زلزال آخر فخرب المسجد خراباً كبيراً، فعمره الخليفة الفاطمي الظاهر لإعزاز دين الله، وعندما احتله الصليبيون غيروا معالمه فاتخذوا جانباً منه كنيسة، وجانباً لسكنى فرسان الاسبتارية، وأضافوا إليه من الناحية الغربية بناء جعلوه مستودعاً للذخائر.
ولما حرر صلاح الدين القدس، أمر بإصلاح المسجد، وإعادته كما كان قبل احتلال الصليبيين، ثم جرت إصلاحات فيما بعد لم تغير شكله اليوبي.
يبلغ طول المسجد الاقصى من الداخل (80) متراً وعرضه (55) متراً وفيه سبعة أروقة، ترتفع على (53) عموداً من الرخام و(49) سارية من الحجارة. وله أحد عشر باباً سبعة منها في الشمال من أيام الفاطميين، وواحد في الشرق واثنان في الغرب وواحد في الجنوب.
قام الاعداء في 21/8/1969م بإشعال حريق في المسجد، وأتى الحريق على منبر المسجد، وسطحه الجنوبي، وعلى سقف ثلاثة أروقة وجزء كبير من هذا القسم.
وإليكم وصفاً مفصلاً عن المسجد الاقصى، أنقله مما كتبه محمد كرد علي في كتابه خطط الشام، الجزء الخامس: حيث قال:
شيد المسجد الاقصى وقبة الصخرة في مكان تل موريا، وهي منزلة دينية سامية قدسها الوثنيون واليهود والمسيحيون والمسلمون، وربما كانت بيدراً لأحد اليبوسيين سكان فلسطين القدماء، وقد بنى فوقها داود بعد فتحه المدينة مذبحاً تقدم فيه القرابين. وأمر سليمان سنة (1013 ق. م) بإنشاء قصر له مكان المسجد الأقصى وهيكل فخم حيث قبة الصخرة. وقد دمره الكلدانيون سنة (558 ق. م) وفي السنة العشرين قبل الميلاد شرع هيرودس الكبير بإقامة هيكل وبرج عال في المكان نفسه ولم يتمه، ودمره جنود الرومان سنة 70 لما استولى طيطوس على بيت المقدس. وبنى الامبراطور أدريانوس سنة 130م مدينة إيلياء وأمر بتشييد زون كبير للمشتري إله الحرب اثني عشري الشكل فنصب فيه صنماً للمشتري وآخر لديوسقورس أو صنم التوأمين (كاستور وبلوكس) وأقام تمثالاً لنفسه بالقرب من الصخرة المباركة. وقضى الفرس على بيت المقدس لما اكتسحوها سنة (614).
ولما وافى عمر بن الخطاب القدس ذهب تواً الى مكان الحرم الشريف وأزال ما كان فيه من الاقذار، ولما افضت الخلافة الى عبد الملك بن مروان وحيل بين الحرمين الشريفين لقيام عبد الله بن الزبير خليفة في الحجاز أمر بإنشاء المسجد الاقصى وقبة الصخرة في بيت المقدس ورصد لذلك خراج مصر سبع سنين ففرغ في سنة (72هـ) وكتب أسمه منقوشاً بالفسيفساء عند مدخل الصخرة من الباب الجنوبي (بنى هذه القبة عبد الملك.. أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين تقبل الله منه ورضي الله عنه آمين) أما الكتابة الاثرية فهي على المثمنات: بسم الله الرحمن الرحيم. لا إله إلا الله وحده لا شريك له. محمد رسول الله (ص). بنى هذه القبة المباركة. عبد الله عبد [الله الامام المأمون] أمير المؤمنين في سنة أثنتين وسبعين تقبل الله منه ورضي الله عنه آمين. والكلمات الثلاث الموضوعة ضمن قوسين هي بخط أصفر ونقش أغبر وهي كانت ولا شك [الملك بن المأمون فهو صالح ابن يحيى ولكنهم نسوا أن يرفعوا التاريخ الاصلي لبناء القبة وهو سنة 72. وسقط شرقي المسجد وغربيه سنة 130 بالزلازل وكذلك في سنة 158 فجدد في سنة 169 في خلافة المهدي، وقد انقص من طوله وزيد في عرضه، وجدد عمارة قبة الصخرة في أيام المأمون (216) وزلزلت الارض ثالثة (407) فتهدمت قبة الصخرة وبعض الجدران، فجددها الظاهر الفاطمي (413هـ) وزيد فيه زمن الفاطميين البناء المسمى بجامع النساء، وكان في مسجد بيت المقدس ثلاث مقاصير للنساء طول كل مقصورة سبعون ذراعاً. ولما احتل الصليبيون بيت المقدس حولوا قبة الصخرة الى كنيسة، والمسجد الاقصى الى منزل لسكنى ملكهم. ولما استعاده صلاح الدين أعاد الحرم الى ما كان عليه وأمر بترميم محراب الاقصى وكتب عليه بالفصوص المذهبة ما نصه: (بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بتجديد هذا المحراب المقدس، وعمارة المسجد الأقصى الذي هو على التقوى مؤسس، عبد الله ووليه يوسف بن أيوب أبو المظفر الملك الناصر صلاح الدنيا والدين عندما فتحه الله على يديه في شهور سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وهو يسأل الله إذاعة شكر هذه النعمة، وإجزال حظه من المغفرة والرحمة.
وفي سنة (634) عمر في المسجد الملك المعظم عيسى. وفي سنة (668هـ) رم المسجد والصخرة، الظاهر بيبرس. وفي سنة (686) عمر فيه المنصور قلاوون ورم فيه كتب المنصور لاجين والناصر قلاوون في سطنته الثالثة وفي أيامه عمر فيه ايضاً الامير تنكز الناصريز ثم جدد الاشرف شعبان (769هـ) والظاهر برقوق (789) والظاهر جقمق العلائي وفي سنة (877) جدد فيه الاشرف أبو النصر. وفي أيام العثمانيين تمت في الحرم عدة عمارات منها ما جدده سلميان القانوني سنة (969) ومنها ما جدد في سني 1232 و 1256 و1291هـ وبعدها.
* المسجد الاقصى اليوم: ]سنة 1925م[.
هو اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وموقع الحرم على مساحة مربعة طول الضفة الغربية منها 490 متراً والشرقية 474 متراُ والشمالية 321 متراً والجنوبية 283 متراً يحيط بها سور يختلف ارتفاعه بين 30 متراً و 40 متراً ويبغ طول بعض الحجارة فيه خمسة أمتار طولاً في اربعة امتار عرضاً. وحول السور من جهة الغرب والشمال أروقة فسيحة معقودة يتخللها بعض ابواب الحرم وهي 14 باباً. وقد قام جامع الصخرة الشريفة في فناء مربع مفروش بالبلاط المنحوت طوله من القبلة الى الشمال أكثر من عرضه من المشرق الى المغرب وارتفاعه ثلاثة امتار يصعد إليه بادراج من الجهات الاربع، وعقد على كل درج من أعلاه قناطر هيفاء دعمتها عمد من الرخام. والقبة على بناء فخم مثمن الشكل، ذرع كل تثمينة منه 29 ذراعاً وثلث ذراع وقد كسي القسم السفلي من ظاهر بالرخام الابيض المشجر، والقاشاني البديع الذي يترقرق فيه ماء الالوان المتزاوجة، من لازوردي وأخضر قاتم وأبيض ناصع، يعلو ذلك شبه أفريز رسمت عليه آي القرآن. وضع هذا القاشاني في أيام سليمان القانوني سنة (969) هـ وتحتوي كل تثمينة من البناء على سبع طاقات للتي لا باب فيها وعلى ست للتي لها باب. والطاقات المحاذية لأطراف التثمينات مسدودة كلها، والاخرى مركب عليها الزجاج والشبابيك الحديد. ولجامع الصخرة اربعة أبواب مزدوجة داخلاً وخارجاً مربعة الشكل بعقود مقوسة، وأمام الباب الاخير من الخارج رواق مفروش بالرخام عليه سقف مكسو بالقاشاني في وسطه قنطرة معقودة والسقف محمول على ثمانية أعمدة من الرخام مختلفات في النوع واللون، وللباب المذكور على ثمانية أعمدة من الرخام مختلفات في النوع واللون، وللباب المذكور مصراعان ملبسان بالنحاس الأصفر المنقوش، عليها أقفال نفيسة متقنة الوضع.
ويبلغ دور البناء من الداخل 53 متراً وهو مقسم الى ثلاث دوائر يفصل بعضها عن بضع صفان مستديران من الاعمدة والاركان يتألف الاول منها من ثماني سوار مسدسة الاضلاع و16 عموداً منها (ابيض وأزرق) عشرة و(أخضر مرسيني) ثلاثة و(شحم لحم) ثلاثة، والصف الثاني مؤلف من اربع سوار مربعة الاضلاع واثني عشر عموداً منها سبعة (أخضر مرسيني) وخمسة (شحم لحم). والسواري ملبسة بالرخام المشجر والملون البديع، والعمدة قديمة جداً وأكثر تيجانها تدل على أنها من الطراز الروماني أو البيزنطي القديم ويربط أعمدة الصف الاول بعضها ببعض وبالسواري بساتل ملبية بالنحاس الاصفر المنقوش المذهب. وتحمل هذه الاعمدة مع جدار الجامع سقفاً مائلاً بعض الميل مدهوناً بأنواع الدهان قائما على قناطر مرصعة بالفص المذهب متصلاً طرفه الاعلى بكرسي القبة. ويزين باطن القبة مجموعة لا نظير لها من الفصوص الملونة تمثل 64 شكلاً من الزخارف على نحو ما كان يصنعه فنانو البيزنطيين، وهي مركبة على سطح موشى بالذهب وفي كرسي القبة ست عشرة طاقة زجاج مذهبة يعلو كلاً منها طبقة من الجبس، مقسمة عيوناً مغطاة بقطع الزجاج المختلفة الالوان والاشكال، تنفذ منها أشعة الشمس صافية، ملطفة بفضل ألواح الزجاج الخارجية والمشبكات المصنوعة من القاشاني، وعرى هذه الطاقات نقوش تدل أنها صنعت في زمن السلطان سليمان سنة (945) هـ كما أن المرمر الذي يكسوها مركب في زمن السلطان صلاح الدين وجدد في أيام سليمان القانوني.
والصخرة الشريفة قائمة على درابزين من خشب منقوش مدهون بأنواع الاصباغ طولها 17،70 متراً وعرضها 13،50 متراً ويبلغ ارتفاعها عن الارض من جهة القبلة، وعند باب المغارة قنطرة معقودة بالرخام العجيب على عمودين وبباطنها محرابان كل محراب على عمودي رخام لطيفين، وأمام المحراب الايمن صفة تسمى مقام الخضر يواجهها عمود رخام قائم للسقف وآخر راقد، وفي الركن الشمالي منها صفة تسمى باب الخليل، وجميع باطن ارض الصخرة والمغارة مفروش بالرخام، وفي وسط المغارة بلاطة مستديرة ينبعث عنها إذا نقر عليها رنين تتجاوب أصداؤه مما يدل على خلو ما تحتها. وحول الدرابزين الخشب مصلى للنساء وهو محاط بالقضب الحديدية من جميع جهاته، وله أبواب اربعة لا يفتح منها عادة إلا الباب الغربي الموازي لباب النساء وهو من عمل الصليبيين إبان احتلالهم بيت المقدس.
صفة المسجد الاقصى:
يقع المسجد الاقصى جنوبس جامع الصخرة وطوله 80 متراً وعرضه 55 متراً عدا ما أضيف إليه من الابنية، وأول ما يقابلك من هذا المسجد عند مدخله من الجهة الشمالية رواق كبير أنشأه الملك المعظم عيسى صاحب دمشق سنة (634) هـ وجدد من بعده وهو مؤلف من سبع قناطر عقدت على ممشى ينتهي الى سبعة أبواب، كل باب يؤدي الى كور من أكوار المسجد السبعة. وللمسجد عشرة أبواب والبناء قائم على خمسة وأربعين عموداً. والغالب أن هذه الاعمدة قديمة نقلت من أنقاض أبنية متنوعة أقدم عهداً من الحرم. وفوق الاعمدة قناطر يربط بعضها ببعض أخشاب ضخمة مستطيلة، وفوق القناطر صفان من الطاقات ويتألف باطن السقف من عوارض كلها من الخشب. وعدة ما في المسجد من السواري أربعون، وهي ضخمة مربعة الشكل مبنية بالحجارة. وبأقصى الباب من جهة الجنوب قبة مرتفعة مزينة بالفصوص الملونة المذهبة. وهي مما رممه صلاح الدين (584هـ) كما رم أكبر جناحي المسجد. والقبة والجناح على الغالب إنما صنعا في خلافة المهدي بعد تهدم المسجد بفعل الزلازل، وهي كقبة الصخرة من خشبة مكسوة بصفائح الرصاص من ظاهرها وبالفص المذهب من باطنها، ومجدد هذه التزيينات هو الناصر محمد بن قلاوون سنة (72 هـ وهناك آيات قرآنية كتبت بخط كوفي على جانبي المحراب. والمحراب قائم على أعمدة لطاف من المرمر وبجانبه المنبر وهو من الخشب المرصع بالعاج والآبنوس عمل في عصر نور الدين زنكي ويقابل المنبر دكة المؤذنين وهي على عمد من رخام.
ومن داخل المسجد من جهة الغرب جامع النساء أو الجامع الابيض، وهو عبارة عن عشر قناطر على تسع سوار في غاية الاحكام بناه الفاطميون، ومن جهة الشرق جامع عمر وهو معقود بالحجر والجير، سمي بذلك لأنه بقية م الجامع الذي بناه عمر رضي الله عنه حين الفتح. وإلى جانب هذه البناء إيوان من الشمال إيوان لطيف به محراب يسمى محراب زكريا وهو بجوار الباب الشرقي. وفي صحن المسجد الاقصى شمالاً بركة مستديرة من رخام سورت بالقضب الحديدية يقال لها الكأس، يأتيها الماء بأنابيب خاصة من عيون جارية بالقرب من برك المرجيع المسماة ببرك سليمان أهمها عين عطاب ووادي الآبار
ومن الآثار المهم في الحرم، البناء السفلي المعقود بالحجر معروف عند الافرنج بإصطبل سليمان وهو عبارة عن مهد عيسى ومحراب مريم والعقود الواسعة التي يقوم عليها المسجد الاقصى. وكذا البراق الشريف وهو في السور الغربي وجامع المغاربة والمدرسة النحوية المعظمية وفيها اليوم دار كتب المسجد الاقصى وهي من أبنية الملك المعظم (604هـ) ومنبر القاضي برهان الدين بن جماعة ومحرابه. وقبة السلسلة وهي شرقي قبة الصخرة وعلى شكلها صنعت في أيام عبد الملك بن مروان. وقبة المعراج سنة (297)هـ. وسبيل قايتباي (887هـ) وما يحيط بالحرم من المدارس القديمة.
هذا حاضر المسجد الاقصى وما إليه وقد أثرت فيه عوامل الطبيعة كالمطر والشمس والثلج والاعاصير الشديدة فنقبت ما يكنها من صفائح الرصاص. ونخرت ما قامت عليه من الاخشاب منذ زمن بعيد، فبادر المجلس الاسلامي الاعلى الى الكشف عن البناء فتبين أنه يحتاج الى مئة وخمسين الف جنيه على أقل تعديل. وألفت لجنة لعمارته برئاسة المعماري كمال الدين واستصرخ الامم الاسلامية لمعاونته فجمع زهاء ثمانين الف جنيه، وشرع حالاً بما كان أحكم بناؤه من حجر منقوش أو مرمر مسنون أو خزف مصقول أو خشب منجور أو صفر مطلي بالفضة أو مكسو بالتبر، أو فص مذهب مزين ملون مشجر مزهر مرصع موشى منمق، ويوشك بفضل الله أن يعود الى ما كان له من بهجة في الاعصار السالفة.
وصف المقدسي للمسجد الأقصى في القرن الرابع:
وصف المقدسي المسجد الأقصى فقال: هو على قرية البلد الشرقي نحو القبلة طول الحجر عشرة أذرع وأقل، منقوشة موجهة مؤلفة صلبة، وقد بنى عليه عبد الملك بحجارة صغار حسان وكان أحسن من جامع دمشق، لكن جاءت زلزلة في زمن بني العباس فطرحت المغطى إلا ما حول المحراب، فلما بلغ الخليفة خبره قيل له: لا يفي برده الى ما كان بيت مال المسلمين، فكتب الى أمراء الاطراف وسائر القواد أن يبني كل واحد منهم رواقاً فبنوه أوثق وأغلظ صناعة مما كان، وبقيت تلك القطعة شامة فيه وهي الى حد أعمدة الرخام، وما كان من الاساطين المشيدة فهو محدث، وللمغطى ستة وعشرون باباً، باب يقابل المحراب يسمى باب النحاس الاعظم مصفح بالصفر المذهب، لا يفتح مصراعة إلا رجل شديد الباع قوي الذراع، عن يمينه سبعة أبواب كبار في وسطها باب مصفح مذهب وعلى اليسار مثلهن، ومن نحو الشرق أحد عشر باباً سواذج، وعلى الخمسة عشر رواق على اعمدة رخام أحدثه عبد الله بن طاهر، وعلى الصحن من الميمنة أروقة على أعمدة رخام وأساطين وعلى المؤخر أروقة آزاج من الحجارة وعلى وسط المغطى جمل عظيم خلف قبة حسنة والسقوف كلها إلا المؤخر ملبسة بشقاق الرصاص والمؤخر مرصوف بالفسيفساء الكبار والصحن كله مبلط وسطه دكة مثل مسجد يثرب يصعد إليها من الاربعة جوانب في مراق واسعة، وفي الدكة أربع قباب: قبة السلسلة، قبع المعراج، قبة النبي (ص). وهذه الثلاث لطاف ملبية بالرصاص على أعمدة رخام بلا حيطان وفي الوسط قبة الصخرة على بيت مثمن باربعة أبواب كل باب يقابل مرقاة باب القبلي، باب إسرافيل، باب الصور، باب النساء، يفتتح الى الغرب، جميعها مذهبة في وجه كل واحد باب ظريف من خشب التنوب مداخل حسن، أمرت بهن أم المقتدر بالله. وعلى كل باب صفة مرخمة بالتنويه تطبق على الصفرية من خارج. وعلى أبواب الصفاف أبواب ايضاً سواذج داخل البيت ثلاثة أروقة دائرة على أعمدة معجونة أجل من الرخام وأحسن لا نظير لها قد عقدت عليها أروقة لاطية، داخلها رواق آخر مستدير على الصخرة، لا مثمن على أعمدة معجونة بقناطر مدورة فوق هذه منطقة متعالية في الهواء فيها طيقان كبار، والقبة من فوق المنطقة طولها عن القاعدة الكبرى مع السفود في الهواء مائة ذراع، ترى من البعد فوقها سفوه حسن طول قامة وبسطة. والقبة على عظمها ملبسة بالصفر المذهب، وأرض البيت وحيطانه مع المنطقة من داخل وخارج على ما ذكرنا من جامع دمشق. والقبة ثلاثة سافات: الاولى من ألواح مزوقة، والثانية على أعمدة الحديد قد شبكت لئلا تميلها الرياح، ثم الثالثة من خشب عليها الصفائح وفي وسطها طريق الى عند السفود يصعدها الصناع لتفقدها ورمها، فإذا بزغت عليها الشمس أشرقت القبة وتلألأت المنطقة ورأيت شيئاً عجيباً. وعلى الجملة لم أر في الاسلام ولا سمعت أن في الشرك مثل هذه القبة، ويدخل الى المسجد من ثلاثة عشر موضعاً بعشرين باباً.