من الضرورات الخمس التي أجمعت عليه أمم الأرض من يوم خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة، حفظ الأنفس وعدم الاعتداء عليها، ولهذا شدد في عقاب في عقاب من قتل نفسا بغير حق في الدنيا والآخرة:
فعقابه في الدنيا إزهاق نفسه، كما أزهق نفس غيره.
قال تعالى في العقاب الأول:
((وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)) [المائدة (45)]
هذه الآية، وإن كانت نزلت في بني إسرائيل، فهي ثابتة في حقنا، لأن شرع من قبلنا إذا لم يخالف شرعنا، فهو شرع لنا على الصحيح من أقوال العلماء، ومحل مبحث هذا في علم أصول الفقه.
ومع ذلك لم أسقها هنا للاستلال بها مستقلة، فعندنا في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية وفي إجماع الأمة، ما لا يدع مجالا للشك فيه، كما قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَان ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (179) [البقرة]
وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة) [صحيح البخاري (6/2521) وصحيح مسلم (3/1302)
و عقابه في الآخرة
وعقابه في الآخرة غضب الله عليه و الخلود في نار جهنم [مع الاختلاف بين أهل السنة والخوارج في معنى الخلود الذي بينته مفصلا في موضوع آخر]
http://www.al-rawdah.net/r.php?sub0=allbooks&sub1=a5_general&p=5
قال تعالى: ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)) [النساء (93)]
وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قَال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من نفس تُقتل ظلما إلا كان على بن آدم الأول كفل منها، لأنه أول من سن القتل أولا) [صحيح البخاري (6/2669) وصحيح مسلم (3/1303)
ونهى الله تعالى المجاهدين في سبيل الله عن قتل من رفعوا على رأسه السيف في ميدان القتال، بمجرد قوله: لا إله إلا الله.
قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)) (94)) [النساء]
وقد عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم، من خالف هذا الأمر قبل نزوله، ولو متأولا، كما في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه عنهما، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري عنه فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟!) قلت كان متعوذا فما زال يكررها، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم" [صحيح البخاري (4/1555) وصحيح مسلم (صحيح مسلم (1/97)
ونقل المفسرون، عن عطاء عن بن عباس في قوله تعالى: ((ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا)) قالَ قال بن عباس: كان رجل في غنيمة له، فلحقه المسلمون فقال: السلام تفسير ابن كثير عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك ((ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا)) [تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/539 -540)]
ومعنى هذا أنه لا يحل للمسلم أن يقتل إنسانا بغير حق، إذا دلت ظهرت منه أي قرينة تدل على احتمال أن يكون مسلما، ولها جاء التعبير في الآية: (لمن ألقى إليكم السلام) فالأصل أن هذا شعار المسلمين، واحتمال أن صاحبه غير مسلم، ليس مسوغا لقتله.
فكيف بمن أجداده - الذين لا يعرف أولهم لكثرتهم – مسلمين، وقد نشأ في بلد مسلم يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحج البيت الحرام، ويلتزم بأحكام الإسلام، في بلد مسلم من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أيحل لمن يؤمن بالله وبكتابه وبرسوله وباليوم الآخر، أن يقتله بدون حق؟!
وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ترويع المسلم لأخيه المسلم، ولو مازحا، كما في حديث عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه، لاعبا ولا جادا، ... ومن أخذ عصا أخيه فليردها)