الأشاعرة ودلائل مخالفتهم لمنهج أهل الســــنة والجماعة وســلف الأمة

بعد صدور كتاب جديد يدعي أن الأشاعرة هم أهل السنة بل يدعي أن الأئمة الأربعة وكبار علماء السلف كانوا على مذهب الأشاعرة، كان لزاما علينا أن نبين منج أهل السنة والجماعة ومخالفة الأشاعرة له، وهذه وقفات بسيطة على ما جاء في هذا الكتاب المسمى -أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم-، ومن يقرأ الكتاب يعرف أنه لا توجد فيه شهادة لعلماء الأمة تؤيد ما أرادوا إثباته أكثر من أقوال بعض العلماء الأشاعرة المعاصرين الذين كتبوا تأييدهم لما جاء في مقدمة الكتاب، فلا عجب أن جاء تقريظهم مدحا للكتاب لأنه مذهبهم وكان ينبغي أن يكونوا منصفين في نقل الكلام وألا يجعلوا علماء الأمة كلهم أشاعرة، وقديما قيل >حبك للشيء يعمي ويصم<.
وجاء في كلام المقرظين للكتاب بعض الأقوال التي تدل على أن الأشاعرة هم أهل السنة كقولهم: ما يعرفه كل من شم للعلم رائحة على مدى تاريخ أمتنا الطويل هو أن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة!!، وقال أيضا: وعقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري التي سار عليها هي عقيدة الإمام أحمد بن حنبل والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأصحابه، وهي عقيدة السلف الصالح كما نص على ذلك أئمة أهل العلم ممن سار على هذه العقيدة على كر العصور ومر الدهور، وأضاف قائلا: فعظماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الأشاعرة!!.
وقد استغرب أحدهم بوصف أحد الكتاب الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة والقدرية والصوفية والجهمية بأنهم من الفرق الضالة حيث قال: بماذا يصف الكاتب أمثال الإمام الجويني والاسفراييني والرازي والطبري والغزالي وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وابن عبد البر والذهبي والبخاري ومسلم والأوزاعي والدارقطني؟! وذكر خلقا كثيرا من علماء الأمة، ثم قال: فهل يصف الكاتب هؤلاء الأعلام بأنهم من أهل الضلال والفرق الضالة؟!
غير أنه لم يؤكد لنا متى كان هؤلاء الأعلام كلهم على مذهب الأشاعرة، لاسيما وأنه قد جعل من الأشاعرة حتى الأئمة الأربعة، ومن المعلوم لكل من لديه مسكة علم أن مذهب أبي الحسن الأشعري لم يظهر إلا بعد وفاة الأئمة الأربعة، وأنى لهذا الشيخ وغيره أن يثبت للناس أن أبا حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل كانوا من الأشاعرة؟!!، ألا يكون هذا نوعا من التلاعب بعقول الناس بغير دليل، وقلب للحقائق بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير؟
من هم الأشاعرة ؟
ومن هنا نتساءل هل كان الأشاعرة من أهل السنة والجماعة، وهل أغلبية علماء الإسلام كانوا على مذهب الأشاعرة؟!، وهل مذهبهم يمثل امتدادا لما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة الأربعة، كما أراد أصحاب الكتاب ترويجه؟! وهل أبو الحسن الأشعري تراجع عما يعتقده أشاعرة اليوم أم ظل على معتقدهم؟! وما أوجه الخلاف بين أهل السنة والأشاعرة؟! وغير ذلك من التساؤلات التي تستوجب الوقوف عندها، وعليه نتساءل من الأشاعرة؟
جاء تعريف الأشاعرة في الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة: الأشاعرة: فرقة كلامية إسلامية، تنسب لأبي الحسن الأشعري الذي خرج على المعتزلة. وقد اتخذت الأشاعرة البراهين والدلائل العقلية والكلامية وسيلة في محاججة خصومها من المعتزلة والفلاسفة وغيرهم، لإثبات حقائق الدين، والعقيدة الإسلامية على طريقة ابن كلاب.
ومن هنا نتساءل هل كان الأشاعرة من أهل السنة والجماعة، وهل أغلبية علماء الإسلام كانوا على مذهب الأشاعرة؟!، وهل مذهبهم يمثل امتدادا لما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة الأربعة، كما أراد أصحاب الكتاب ترويجه؟! وهل أبو الحسن الأشعري تراجع عما يعتقده أشاعرة اليوم أم ظل على معتقدهم؟! وما أوجه الخلاف بين أهل السنة والأشاعرة؟! وغير ذلك من التساؤلات التي تستوجب الوقوف عندها، وعليه نتساءل من الأشاعرة؟
جاء تعريف الأشاعرة في الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة: الأشاعرة: فرقة كلامية إسلامية، تنسب لأبي الحسن الأشعري الذي خرج على المعتزلة. وقد اتخذت الأشاعرة البراهين والدلائل العقلية والكلامية وسيلة في محاججة خصومها من المعتزلة والفلاسفة وغيرهم، لإثبات حقائق الدين، والعقيدة الإسلامية على طريقة ابن كلاب.
- أما من حيث مصدر التلقي فيقدم الأشاعرة العقل على النقل كما تؤكده الموسوعة: مصدر التلقي عند الأشاعرة: الكتاب والسنة على مقتضى قواعد علم الكلام ؛ ولذلك فإنهم يقدمون العقل على النقل عند التعارض، صرح بذلك الرازي في القانون الكلي للمذهب في أساس التقديس والآمدي وابن فورك وغيرهم.
ولذلك لا يأخذون أحاديث الآحاد في العقائد؛ لأنها لا تفيد العلم اليقيني ولا مانع من الاحتجاج بها في مسائل السمعيات أو فيما لا يعارض القانون العقلي، والمتواتر منها يجب تأويله، ولا يخفى مخالفة هذا لما كان عليه السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة ومن سار على نهجهم حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل الرسل فرادى لتبليغ الإسلام كما أرسل معاذاً إلى أهل اليمن.
- ويعتقد الأشاعرة تأويل الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعين واليمين والقدم والأصابع وكذلك صفتي العلو والاستواء. وقد ذهب المتأخرون منهم إلى تفويض معانيها إلى الله تعالى على أن ذلك واجب يقتضيه التنزيه، ولم يقتصروا على تأويل آيات الصفات بل توسعوا في باب التأويل حيث شمل أكثر نصوص الإيمان خاصة فيما يتعلق بإثبات الزيادة والنقصان، وكذلك موضوع عصمة الأنبياء، أما مذهب السلف فإنهم يثبتون النصوص الشرعية دون تأويل معنى النص ـ بمعنى تحريفه ـ أو تفويضه، سواءً كان في نصوص الصفات أو غيرها.
تحريفهم للصفات
قد يحاول هذا الكتاب أن يصور أن مسألة الأسماء والصفات من قبيل المتشابه حتى يقتنع الناس بأن التأويل الذي يقوم به الأشاعرة شيء لابد منه وجائز شرعاً، وهذه من الشبهات التي حاول الأشاعرة وغيرهم من الفرق إثارتها، ومن الكلام العجيب الذي جاء في الكتاب قولهم عن التفويض والتأويل: -ولا يقال نحملها على الظاهر ونفوض العلم بالكيفية إلى الله تعالى، لأن هذا القول تناقض صريح أوقعت فيه الغفلة، إذليس من ظاهر ولا حقيقة هنا إلا الجسم، وهذا لا يصح قطعا وصف الله تعالى به، وهذه الكيفية التي فوض العلم بها هي ذاتها المعنى الذي زعموا إثباته، لأن معاني هذه الألفاظ كيفيات، فإن أثبت المعنى فقط أثبتت الكيفية، وإذا فوضت الكيفية فقد فوض المعنى...-.
- وهذا كلام خطير جدا وكأن السلف الصالح ما كانوا يفهمون آيات الصفات إلا بالتأويل والتفويض الذين يعني تحريف المعنى وتعطيله، وردا على هذا قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره >أضواء البيان< على تفسير آية استواء الله تعالى على عرشه التي في سورة الأعراف: >اعلم أنه غلط في هذا خلق لا يحصى كثرة من المتأخرين، فزعموا أن الظاهر المتبادر السابق إلى الفهم من معنى الاستواء واليد مثلاً في الآيات القرآنية هو مشابهة صفات الحوادث وقالوا: يجب علينا أن نصرفه عن ظاهره إجماعاً. قال: ولا يخفى على أدنى عاقل أن حقيقة معنى هذا القول أن الله وصف نفسه في كتابه بما ظاهره المتبادر منه السابق إلى الفهم الكفر بالله تعالى والقول فيه بما لا يليق به - جل وعلا-. والنبي صلى الله عليه وسلم الذي قيل له: -وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ-. لم يبين حرفاً واحداً من ذلك مع إجماع من يعتد به من العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، وأحرى في العقائد لاسيما ما ظاهره المتبادر منه الكفر والضلال المبين حتى جاء هؤلاء الجهلة من المتأخرين فزعموا أن الله أطلق على نفسه الوصف بما ظاهره المتبادر منه لا يليق، والنبي صلى الله عليه وسلم كتم أن ذلك الظاهر المتبادر كفر وضلال يجب صرف اللفظ عنه، وكل هذا من تلقاء أنفسهم من غير اعتماد على كتاب أو سنة، سبحانك هذا بهتان عظيم، ولا يخفى أن هذا القول من أكبر الضلال ومن أعظم الافتراء على الله - جل وعلا - ورسوله صلى الله عليه وسلم .
- والحق الذي لا يشك فيه أدنى عاقل أن كل وصف وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم فالظاهر المتبادر منه السابق إلى فهم من في قلبه شيء من الإيمان هو التنزيه التام عن مشابهة شيء من صفات الحوادث. قال: وهل ينكر عاقل أن السابق إلى الفهم المتبادر لكل عاقل هو منافاة الخالق للمخلوق في ذاته وجميع صفاته؟ والله لا ينكر ذلك إلا مكابر.
- والجاهل المفتري الذي يزعم أن ظاهر آيات الصفات لا يليق بالله، لأنه كفر وتشبيه، إنما جر إليه ذلك تنجيس قلبه بقذر التشبيه بين الخالق والمخلوق، فأداه شؤم التشبيه إلى نفي صفات الله - جل وعلا - وعدم الإيمان بها مع أنه - جل وعلا - هو الذي وصف بها نفسه، فكان هذا الجاهل مشبهاً أولاً، ومعطلاً ثانياً، فارتكب ما لا يليق بالله ابتداءً وانتهاءً، ولو كان قلبه عارفاً بالله كما ينبغي، معظماً لله كما ينبغي، طاهراً من أقذار التشبيه لكان المتبادر عنده السابق إلى فهمه أن وصف الله تعالى بالغ من الكمال والجلال ما يقطع أوهام علائق المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون قلبه مستعداً للإيمان بصفات الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، مع التنزيه التام عن مشابهة صفات الخلق على نحو قوله: -لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ-. أهـ. كلامه رحمه الله.
هل الأسماء والصفات من المتشابه
وجاء في الكتاب قولهم: >يصر البعض على تضليل الأشاعرة والماتريدية لأن جمهورهم أجاز التأويل بشروطه في نصوص المتشابه التي تتلعلق بصفات الله تعالى، وينسى هؤلاء أن جل الأمة على مذهب التأويل وأن جماعات من السلف قالوا به!!<، ولم يأتوا بدليل علمي يدل على أن السلف أولوا الصفات أو عدوها من قبيل المتشابه.
- وتوضيحا لهـذه الشبهة يقول فضيلة الشيخ صالح الفوزان: أهل السنة يثبتون ألفاظ الصفات ومعانيها، فليس ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من المتشابه الذي يفوض معناه، لأن اعتبار نصوص الصفات مما لا يفهم معناه ليجعلها من الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، والله تعالى قد أمرنا بتدبر القرآن كله، وحضنا على تعقله وتفهمه، وإذا كانت نصوص الصفات مما لا يفهم معناه، فيكون الله قد أمرنا بتدبر وتفهم ما لا يمكن تدبره وتفهمه، وأمرنا باعتقاد ما لم يوضحه لنا، تعالى الله عن ذلك!
إذاً، فمعاني صفات الله تعالى معلومة يجب اعتقادها، وأما كيفيتها فهي مجهولة لنا لا يعلمها إلا الله تعالى.
ولهذا قال الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه لما سئل عن قوله تعالى: -الرحمن على العرش استوى- -طه:5-، كيف استوى؟ قال: >الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة<.
وما قال الإمام مالك في الاستواء هو قاعدة في جميع الصفات، وهو قول أهل السنة والجماعة قاطبة، فمن نسب إلى السلف أنهم يفوضون معاني الأسماء والصفات ويجعلون نصوصها من المتشابه الذي استأثر الله بعلم معناه، فقد كذب عليهم، لأن كلامهم يخالف ما يقوله هذا المفتري.
والسلف رضوان الله عليهم يثبتون الصفات إثباتاً بلا تمثيل، فلا يمثلونها بصفات المخلوقين، لأن الله ليس كمثله شيء ولا كفء له ولا ند له ولا سمي له، ولأن تمثيل الصفات وتشبيهها بصفات المخلوقين ادعاء لمعرفة كيفيتها، وكيفيتها مجهولة لنا مثل كيفية الذات، لأن العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، والله تعالى لا يعلم كيفية ذاته إلا هو، والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن لله ذاتاً لا تشبه الذوات، فكذلك له صفات لا تشبه الصفات، -ليس كمثله شيء وهو السميع البصير- -الشورى:11-، أي: لا يشبهه أحد لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
فيجب الإيمان بما وصف الله به نفسه، لأنه لا أحد أعلم من الله بالله، -أأنتم أعلم أم الله- -البقرة:140-، فهو أعلم بنفسه وبغيره، كما يجب الإيمان بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأنه لا أحد بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم . أهـ.
قولهم في القرآن
ويقول الإمام الذهبي رحمه الله:
من المسائل التي اختلف فيها الأئمة في القول في القرآن وتسمى مسألة أفعال التالين فجمهور الأئمة والسلف على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق وبهذا ندين الله تعالى وبدعوا من خالف ذلك وذهبت الجهمية والمعتزلة والمأمون وأحمد بن أبي داود القاضي وخلق من المتكلمين والرافضة إلى أن القرآن كلام الله المنزل مخلوق... وجرت محنة القرآن وعظم البلاء وضرب أحمد بن حنبل بالسياط ليقول ذلك نسأل الله السلامة في الدين ثم نشأت طائفة فقالوا كلام الله تعالى منزل غير مخلوق ولكن ألفاظنا به مخلوقة يعنون تلفظهم وأصواتهم به وكتابتهم له ونحو ذلك وهو حسين الكرابيسي ومن تبعه فأنكر ذلك الإمام أحمد وأئمة الحديث وبالغ الإمام أحمد في الحط عليهم وثبت عنه أن قال اللفظية جهمية وقال من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع وسد باب الخوض في هذا وقال أيضا من قال لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو جهمي وقالت طائفة القرآن محدث كداود الظاهري ومن تبعه فبدعهم الإمام أحمد وأنكر ذلك وثبت على الجزم بأن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه من علم الله وكفر من قال بخلقه وبدع من قال بحدوثه وبدع من قال لفظي بالقرآن غير مخلوق ولم يأت عنه ولاعن السلف القول بأن القرآن قديم ما تفوه أحد منهم بهذا فقولنا قديم من العبارات المحدثة المبتدعة كما أن قولنا هو محدث بدعة وأما البخاري فكان من كبار الأئمة الأذكياء فقال ما قلت ألفاظنا بالقرآن مخلوقة وإنما حركاتهم وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة والقرآن المسموع المتلو الملفوظ المكتوب في المصاحف كلام الله غير مخلوق وصنف في ذلك كتاب أفعال العباد مجلد فأنكر عليه طائفة وما فهموا مرامه كالذهلي وأبي زرعة وابي حاتم وأبي بكر الأعين وغيرهم ثم ظهرت بعد ذلك مقالة الكلابية والأشعرية وقالوا القرآن معنى قائم بالنفس وإنما هذا المنزل حكايته وعبارته ودال عليه، وقالوا هذا المتلو معدود متعاقب وكلام الله تعالى لا يجوز عليه التعاقب ولا التعدد بل هو شيء واحد قائم بالذات المقدسة واتسع المقال في ذلك ولزم منه أمور وألوان.
وقوله رحمه الله: >ثم ظهر بعد ذلك مقالة الكلابية والأشعرية وقالوا القرآن معنى قائم بالنفس وانما هذا المنزل حكايته وعبارته ودال عليه< يوضح بجلاء أن الأشاعرة والكلابية يخالفون أهل السنة والجماعة في مسألة القرآن، ولهذا كان ينبغي على مؤلفي الكتاب ألا يقارنوا قول الأشاعرة والكلابية بقول بعض العلماء الأجلاء الذين قالوا: >لفظي في القرآن مخلوق< وكأن الأشاعرة متفقون مع أهل السنة والجماعة في إثبات صفة الكلام لله تعالى، وهاهو الإمام الذهبي يبين لنا أن مذهبهم مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة وسلف الأمة، وكتبهم طافحة بهذا القول المخالف لما ذهب إليه السلف، ومثال ذلك ما جاء في جوهرة التوحيد -فقال أهل السنة كلام الله صفة أزلية قائمة بذاته تعالى ليست بحرف ولا صوت- ويقول صاحب التحفة شارح الجوهرة: >وقد أضيف له تعالى كلام لفظي كالقرآن، فإنه كلام الله قطعا، بمعنى أنه خلقه في اللوح المحفوظ!!< فهل بعد هذا يصر أصحاب هذا الكتاب على أن الأشاعرة يذهبون إلى ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة كالأئمة الأربعة والبخاري مسلم.
- وقد أوضح الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله اعتقاد أهل السنة عن صفة كلام الله تعالى قائلا: -وأن القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وحيا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية... علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر ولا يشبه قول البشر-.
- وعليه كان ينبغي على مؤلفي هذا الكتاب إذا أرادا النصح للأمة وتوحيد كلمتها أن يبينوا للناس قول الحق وأن الأشاعرة والكلابية خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل لاسيما مسائل الأسماء والصفات حيث لا يثبتون لله صفة إلا بعد تأويل معناها خوفا من التشبيه على حد زعمهم، ولهذا يقول صاحب الجوهرة في صـ91: -وكل نص أوهم التشبيه أوله أو فوضه-.
وهل بعد هذا يمكن أن يقول عاقل أن العقيدة الطحاوية تتطابق مع ما ذهب إليه الأشاعرة، كما جاء في الكتاب -ومن يطالع العقيدة الطحاوية يعلم مطابقتها لما عليه السادة الأشاعرة، ويعلم أنهم جميعا يصدرون من مشكاة واحدة!!-، أين المطابقة التي يدعونها، فهل الإمام الطحاوي يقول إن القرآن ليس بحرف ولا صوت، أم يقول إنه مخلوق في اللوح المحفوظ، سبحان الله لماذا هذا التجني على العلماء وتحريف كلامهم؟ نعوذ به من الخذلان.
مذهب الأشعري الأخير
حاول المؤلفان التشكيك في أقوال أهل العلم التي تثبت أن أبا الحسن الأشعري مر بمراحل ثلاث حتى انتهى إليه الأمر إلى مذهب أهل السنة والجماعة الذي يثبت لله ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله من غير تأويل ولا تعطيل ولا تحريف، متسائلين هل مات الإمام على عقيدة غير العقيدة التي كان عليها بعد توبته من الاعتزال، وجاءوا بكلام متناقض محاولين نفي تراجعه عن المذهب الأشعري المتعارف عليه اليوم بينما أقوال علماء المحققين تؤكد أنه مات على منهج السلف في العقيدة.
ويقول الإمام الذهبي في ترجمته لأبي الحسن الأشعري رحمه الله: الأشعري العلامة إمام المتكلمين أبو الحسن... وكان عجبا في الذكاء وقوة الفهم ولما برع في معرفة الاعتزال كرهه وتبرأ منه وصعد للناس فتاب إلى الله تعالى منه ثم أخذ يرد على المعتزلة ويهتك عوارهم ... قلت رأيت لأبي الحسن أربعة تواليف في الأصول يذكر فيها قواعد مذهب السلف في الصفات وقال فيها تمر كما جاءت ثم قال وبذلك أقول وبه أدين ولا تؤول.
ويقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله: إن هؤلاء المتأخرين الذين ينتسبون إليه لم يقتدوا به الاقتداء الذي ينبغي أن يكونوا عليه، وذلك أن أبا الحسن كان له مراحل ثلاثة في العقيدة:
المرحلة الأولى: مرحلة الاعتزال: اعتنق مذهب المعتزلة أربعين عاماً يقرره ويناظر عليه، ثم رجع عنه وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم.
المرحلة الثانية: مرحلة بين الاعتزال المحض والسنة المحضة سلك فيها طريق أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب.
المرحلة الثالثة: مرحلة اعتناق مذهب أهل السنة والحديث مقتدياً بالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما قرره في كتابه: -الإبانة عن أصول الديانة- وهو من آخر كتبه أو آخرها.
قال في مقدمته: -جاءنا - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - بكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، جمع فيه علم الأولين، وأكمل به الفرائض والدين، فهو صراط الله المستقيم، وحبله المتين، من تمسك به نجا، ومن خالفه ضل وغوى وفي الجهل تردى، وحث الله في كتابه على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . فقال عز وجل: -وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا-... إلى أن قال: فأمرهم بطاعة رسوله كما أمرهم بطاعته، ودعاهم إلى التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما أمرهم بالعمل بكتابه، فنبذ كثير ممن غلبت شقوته، واستحوذ عليهم الشيطان، سنن نبي الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، وعدلوا إلى أسلاف لهم قلدوهم بدينهم ودانوا بديانتهم، وأبطلوا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضوها وأنكروها وجحدوها افتراءً منهم على الله -قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ-.
- والمتأخرون الذين ينتسبون إليه أخذوا بالمرحلة الثانية من مراحل عقيدته، والتزموا طريق التأويل في عامة الصفات.
على خلاف بينهم وبين أهل السنة في كيفية إثباتها، ولما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ما قيل في شأن الأشعرية قال: ومرادهم الأشعرية الذين ينفون الصفات الخبرية، وأما من قال منهم بكتاب -الإبانة- الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك فهذا يعد من أهل السنة. أهـ. كلامه رحمه الله.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: والأشعري أبو الحسن - رحمه الله - كان في آخر عمره على مذهب أهل السنة والحديث، وهو إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، ومذهب الإنسان ما قاله أخيراً إذا صرح بحصر قوله فيه كما هي الحال في أبي الحسن كما يعلم من كلامه في >الإبانة<. وعلى هذا فتمام تقليده اتباع ما كان عليه أخيراً وهو التزام مذهب أهل الحديث والسنة؛ لأنه المذهب الصحيح الواجب الاتباع الذي التزم به أبو الحسن نفسه.
هل الأشاعرة يمثلون أغلبية المسلمين
ويقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
ويقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
إذا قال قائل قد عرفنا بطلان مذهب أهل التأويل في باب الصفات، ومن المعلوم أن الأشاعرة من أهل التأويل فكيف يكون مذهبهم باطلاً وقد قيل: إنهم يمثلون اليوم خمسة وتسعين بالمائة من المسلمين؟!
وكيف يكون باطلاً وقدوتهم في ذلك أبو الحسن الأشعري؟
وكيف يكون باطلاً وفيهم فلان وفلان من العلماء المعروفين بالنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم؟
- قلنا: الجواب عن السؤال الأول: أننا لا نسلم أن تكون نسبة الأشاعرة بهذا القدر بالنسبة لسائر فرق المسلمين، فإن هذه دعوى تحتاج إلى إثبات عن طريق الإحصاء الدقيق.
ثم لو سلمنا أنهم بهذا القدر أو أكثر فإنه لا يقتضي عصمتهم من الخطأ؛ لأن العصمة في إجماع المسلمين لا في الأكثر.
ثم نقول: إن إجماع المسلمين قديماً ثابت على خلاف ما كان عليه أهل التأويل، فإن السلف الصالح من صدر هذه الأمة >وهم الصحابة< الذين هم خير القرون والتابعون لهم بإحسان وأئمة الهدى من بعدهم كانوا مجمعين على إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات، وإجراء النصوص على ظاهرها اللائق بالله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وهم خير القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإجماعهم حجة ملزمة؛ لأنه مقتضى الكتاب والسنة.
- والجواب عن السؤال الثاني: أن أبا الحسن الأشعري وغيره من أئمة المسلمين لا يدعون لأنفسهم العصمة من الخطأ، بل لم ينالوا الإمامة في الدين إلا حين عرفوا قدر أنفسهم ونزلوها منزلتها وكان في قلوبهم من تعظيم الكتاب والسنة ما استحقوا به أن يكونوا أئمة، قال الله تعالى: -وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ-، وقال عن إبراهيم: -إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم-.
- والجواب عن السؤال الثالث من وجهين: الأول: أن الحق لا يوزن بالرجال، وإنما يوزن الرجال بالحق، هذا هو الميزان الصحيح وإن كان لمقام الرجال ومراتبهم أثر في قبول أقوالهم كما نقبل خبر العدل ونتوقف في خبر الفاسق، لكن ليس هذا هو الميزان في كل حال، فإن الإنسان بشر يفوته من كمال العلم وقوة الفهم ما يفوته، فقد يكون الرجل ديناً وذا خلق ولكن يكون ناقص العلم أو ضعيف الفهم، فيفوته من الصواب بقدر ما حصل له من النقص والضعف، أو يكون قد نشأ على طريق معين أو مذهب معين لا يكاد يعرف غيره فيظن أن الصواب منحصر فيه ونحو ذلك.
الثاني: أننا إذا قابلنا الرجال الذين على طريق الأشاعرة بالرجال الذين هم على طريق السلف وجدنا في هذه الطريق من هم أجل وأعظم وأهدى وأقوم من الذين على طريق الأشاعرة، فالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة ليسوا على طريق الأشاعرة.
وإذا ارتقيت إلى من فوقهم من التابعين لم تجدهم على طريق الأشاعرة.
وإذا علوت إلى عصر الصحابة والخلفاء الأربعة الراشدين لم تجد فيهم من حذا حذو الأشاعرة في أسماء الله تعالى وصفاته وغيرهما مما خرج به الأشاعرة عن طريق السلف.
- ونحن لا ننكر أن لبعض العلماء المنتسبين إلى الأشعري قدم صدق في الإسلام والذب عنه، والعناية بكتاب الله تعالى وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم رواية ودراية، والحرص على نفع المسلمين وهدايتهم،ولكن هذا لا يستلزم عصمتهم من الخطأ فيما أخطأوا فيه، ولا قبول قولهم في كل ما قالوه، ولا يمنع من بيان خطئهم ورده لما في ذلك من بيان الحق وهداية الخلق، ولا ننكر أيضاً أن لبعضهم قصداً حسناً فيما ذهب إليه وخفي عليه الحق فيه، ولكن لا يكفي لقبول القول حسن قصد قائله، بل لابد أن يكون موافقاً لشريعة الله - عز وجل - فإن كان مخالفاً لها وجب رده على قائله كائناً من كان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : >من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد<.
ثم إن كان قائله معروفاً بالنصيحة والصدق في طلب الحق اعتذر عنه في هذه المخالفة وإلا عومل بما يستحقه بسوء قصده ومخالفته. أهـ. كلامه رحمه الله.
يوافقون أهل السنة بأمور
ويقول الدكتور ناصر بن عبدالكريم العقل: فالأشعرية مرت بأطوار تاريخية في كل طور تزداد الشقة بينهم وبين أهل السنة، لاسيما بعد ما أدخل فيها زعماؤهم اللاحقون تلك الأسس والمعتقدات الدخيلة من الفلسفة، والتصوف، والمنطق، والكلام، والجدل، حتى صارت عقيدة الأشاعرة مزيجاً من تلك الأخلاط.
فأصبحت الأشاعرة اليوم مزيجاً من المشارب والمعتقدات بين أهل السنة والفلسفة والتصوف، وعلم الكلام، لذلك نجدهم أكثر من ينتسبون للسنة وقوعاً في المخالفات العقدية والعبادية -أي بدع العقائد والعبادات- وهذا بخلاف أهل السنة في كل زمان، كما نجد أن كثيراً من الأشاعرة حالياً منضوون تحت الطرق الصوفية البدعية، وتكثر فيهم بدع القبور والتبرك البدعي بالأشخاص والأشياء، وبدع العبادات والأذكار والموالد ونحوها، وهذه البدع هي التي تميزهم - حالياً -عن أهل السنة بوضوح.
- فمن خلال الواقع اليوم، يندر أن ترى أحداً من الأشاعرة إلا ولديه شيء من البدع، أو الميل إلى ذلك، أو التساهل وعدم الاكتراث بهذه المسألة الخطيرة، بينما العكس فيمن ينتسبون حقاً لأهل السنة، فإنه يندر أن تجد فيهم من يتعلق بشيء من البدع، إلا عن جهل، وهذا قليل جداً بحمد الله.
- وبالجملة فالأشاعرة يوافقون أهل السنة في أمور من العقيدة، ويخالفونهم في أمور أخرى، فهم فيما يوافقون أهل السنة فيه يجوز أن نطلق عليهم في هذا الأمر أهل سنة، من حيث اتباعهم للسنة في ذلك الأمر، لكنهم في الجملة حيث خالفوا أهل السنة في أصول أخرى ليست قليلة، ليسوا هم أهل السنة عند الإطلاق والعموم، وهذا الأمر قد يلتبس على كثير من الناس اليوم لقلة اطلاعهم على كلام أهل العلم في ذلك.
ويقول أيضاً: وأمر آخر تجدر الإشارة إليه هنا وفيه البرهان الأقوى على أن الأشاعرة جانبوا أهل السنة في بعض مسائل الاعتقاد الكبرى، على أنهم عند التحقيق والتروي والتجرد يرجعون عن مقولاتهم إلى عقيدة أهل السنة، وهذا البرهان هو رجوع كثير من أئمتهم ونظارهم الكبار إلى عقيدة السلف والتسليم بها في آخر الأمر أو آخر العمر، كما حصل من الإمام أبي الحسن الأشعري نفسه، حينما استقر على عقيدة السلف في -الإبانة-، فمنهم من رجع إلى قول أهل السنة، وترك علم الكلام، وبين ذلك من خلال كتابة ما استقر عليه اعتقاده، ومنهم من أعلن تسليمه لعقيدة أهل السنة على الإطلاق قبيل الوفاة، ولم يتمكن من الكتابة.
وجوب تصحيح المعتقد
- وفي الختام نقول: إنه كان ينبغي على مؤلفي الكتاب أن يبتعدوا عن التشويش وبتر الكلام ومحاولة تضخيم أمر الأشاعرة وتصويره بأن الأمة كلها أجمعت على عقيدتهم وأنهم هم أهل السنة عن الإطلاق، مع هذا كله لا يثبت عند التحقيق، والأدلة العلمية التي ذكرها العلماء المحققون من أهل السنة والجماعة تؤكد أن لفظ أهل السنة والجماعة ينطبق على كل من التزم منهج السلف الصالح والقرون المفضلة لا سيما في أمور العقيدة، وقد أثبتنا في هذه العجالة مخالفة الأشاعرة لمذهب أهل السنة والجماعة في المعتقد، وعليه يجب على كل من أراد جمع كلمة المسلمين أن يبدأ بتصحيح عقيدتها والالتزام بمعتقد السلف الصالح وعدم تقديم العقل على النقل حيث لا يمكن أن يختلف العقل السليم مع النقل الصحيح.
- وكان ينبغي على أصحاب الكتاب وأمثالهم الابتعاد عن التقليد وأن يؤثروا الحق على الخلق.