ولكن لكي لا تذهب التضحيات سدى يجب تعلم الدروس وأخذ العبر. فعلى الرغم من تقرير فلسطيني يفيد أن وقوع قوات الاحتلال على مخبأ قادة المقاومة الحصين، في مكان أشبه بالمستحيل في نابلس القديمة، جاء تماماً بمحض الصدفة بدلالة تمكن ثلاثة مطلوبين مختبئين في المكان نفسه من الانسحاب تحت النيران حسب التقرير، فإن من حقنا أن نسأل قوى المقاومة إن كانت قد تساهلت أمنياً بحق قادتها، وكيف يجتمع مثل هذا العدد من كبار المطلوبين في مخبأ واحد عندما يشن العدو حملةً هدفها المعلن هو البحث عنهم! باختصار، لا بد من مراجعة أمنية تفصيلية دقيقة، خاصة من ناحية إمكانية وجود اختراق أو تسيب، ونترك تقصي البعد الأمني ها هنا لأن أهل مكة أدرى بشعابها.
سياسياً، جاء استشهاد قائد كتائب الأقصى نايف أبو شرخ بعد أسبوعين ويوم بالضبط من إعلانه أن كتائب الأقصى تفكر بترك حركة فتح لما تعانيه من إهمال وحرمان فيها، واحتجاجاً على تسلط المنتفعين والمتسلقين (القدس العربي، 11/6/2004). وقال ذلك التقرير أيضاً أن كتائب الأقصى لن تلتزم بالمبادرة المصرية، وأن أحداً لم يناقشها مع الكتائب... إذن لدينا هنا قوة ذات مصداقية كبيرة في الشارع الفلسطيني تمتلك القدرة الميدانية على تعطيل دور أمني وسياسي كلفت به أطراف فلسطينية محلية وعربية رسمية، ولا ننسى هنا دور كتائب الأقصى في طرد الوفد العسكري الأردني من الضفة. فهذه العملية ذات بعد سياسي محدد يكمل مخطط استهداف مفاتيح القرار السياسي والميداني الفلسطيني المقاوم في الضفة وغزة، كما في تصفية قادة حماس في غزة مثلاً، بهدف خلق فراغ يمكن المتعهدين الأمنيين والسياسيين من إدارة "الدولة الفلسطينية" التي وعد بها جورج بوش.
الشهيد نايف أبو شرخ مناضل كبير ومحبوب وسجين سابق في سجون الاحتلال هدم منزله واعتقل أهله وأصبح على رأس المطلوبين في الضفة بسبب دوره في إدارة العمل المسلح. ولكن الشهيد أبن فتح ومن قادتها، ومن يقرأ ما بين سطور تصريحاته سيستنتج على الأرجح أنه كان بصدد ممارسة ضغط جدي على ياسر عرفات لا أكثر. إذ أن خروج كتائب الأقصى والعودة من فتح ليس بالقرار السهل لأنه يضع مشروعيتها التنظيمية والسياسية عند نقطة البداية، كما أنه يفسح المجال واسعاً أمام المتعهدين الأمنيين والسياسيين للسيطرة على فتح وللتغطي بها للقيام بدورهم على حساب عرفات نفسه، وهو ما يدركه عرفات، ويدرك الشهيد على ما يبدو أن عرفات يدركه. فلا بد من بقاء الأقصى والعودة في فتح لبقاء عرفات، والباقي يملئه اللبيب من عنده: فمن ناحية تكتيكية محضة، تشكل العملية تضييقاً على خناق عرفات أمريكياً وصهيونياً.
ولكن الهدف الاستراتيجي يبقى ضرب كل ظاهرة المقاومة، وإذا صح تقريرٌ للقدس نت في 22/6/ 2004، فإن ملايين الدولارات تم ضخها لمحمد دحلان بإشراف عربي رسمي وأمريكي وصهيوني وبريطاني للسيطرة على المجالس الخاصة بحركة فتح في قطاع غزة، كمقدمة للانسحاب "الإسرائيلي" منها، ويبدو أن هذا المخطط قد دخل حيز التنفيذ على قدم وساق. فإذا كان هذا التقرير دقيقاً، وأضفنا إليه مخطط تصفية القيادات السياسية والميدانية للمقاومة في الضفة وغزة، فإن كل الحديث الرسمي العربي عن رفض القيام بدور أمني وسياسي في الضفة وغزة ما لم يطالب به الفلسطينيون أنفسهم يكون شراءً للوقت ريثما يتم الدحلان وأمثاله المطلوب منهم.