بــــــوائــــك الأقــــصى
بـــــاكيـــة
بـــــاكيـــة
من عظيم نعمة الله على الأقصى أن جعله في مكان مرتفع وعلى تلة تعلوها صخرة بيت المقدس ، حيث كان لهذا الارتفاع ميزة معمارية فتحت الآفاق أمام الخلفاء والحكام والصالحين أن يضيفوا ويرفعوا ويخططوا دوماً لتسهيل الصلاة والعبادة والحركة أمام الزوار العابدين في المسجد، ومن هنا أبدع الفن الإسلامي في أداء وظيفته التي لم تنحصر في مجال الجمال والزينة وإنما في طبيعة المبنى نفسه، ونحن اليوم أمام هذه القناطر والبوائك التي بنيت على جدار صحن الصخرة المشرفة تشكّل سياجاً معمارياً للأقصى كما أنّها تذكر بالموازين التي تنصب للحشر على هذه الصخرة يوم القيامة، فلهذا سميت بالموازين.
وأنتم يا عشاق الأقصى يا من وقفتم تحت هذه الموازين ترجون رحمة الله وتلتقطون صورها وهي تعانقكم بل قد بديتم بها وكأنكم زهرة خرجت لتوّها مع مطلع شمس ساطع، ثمّ سرتم ولم تتعرفوا عليها وتتأملوا بناءها، فتعالوا إلى هذه الجولة والعين باكية على كل بائكة ، حال بوائك الأقصى يقول كثرت البواكي وليس للأقصى من يبكيك غيرنا نبكي حالك وحال المسلمين على مدى الزمان حتى يأذن الله للفرج القريب والنصر المبين.
والســـــــؤال الآن مـــا هـــي البـــائـكـــة ؟
هي عبارة عن واجهة بناء مكونة من مجموعة عقود مرتكزة على مجموعة أعمدة تنتهي هذه الواجهة بشكل حجري معين، وعادة ما تبنى عند انتهاء الدرج وفي أعلاه.
أسمــــــاؤهــــــــا :
بائكة جمعها بوائك وقنطرة جمعها قناطر وميزان وجمعها موازين.
عددهــــــــا :
ثمانية بوائك اثنتان من جهة الشمال وواحدة في الجهة الغربية الشمالية وأخرى في الجهة الغربية وواحدة في الزاوية الغربية الجنوبية أمّا الجهة الجنوبية ففيها اثنتان وفي الجهة الشرقية فواحدة.
وظـــــائــف البـــــوائـــك:
تؤدي البوائك منظر جمالي رائع وتعطي جواباً معمارياً لجميع الأدراج الحجرية التي يصعد بها إلى صحن قبة الصخرة حيث لم يترك الفنان المسلم هذا الدرج بلا نهاية، كما أنّها في كثير من الأحيان حملت توزيعا هندسيا من خلال الأعمدة والعقود وأدت دوراً وظيفياً في حصر الصعود والنزول إلى صحن قبة الصخرة وهناك من يقول أنّ هذه البوائك بعقودها وفتحاتها كانت ترمز إلى شيء معيّن فإن كانت ثلاثيّة الفتحات ترمز إلى المساجد الثلاثة وإن كانت رباعيّة ترمز إلى الفصول الأربعة وإن كانت خماسية ترمز للصلوات الخمس ومعظم هذه البوائك قد حملت تواريخ ونقوش مهمة للباني وزخرفة إسلامية رائعة وبعضها ثبتت فيه مزولة ساعة ظل .
البـــــائــكــة الجنــــوبيــــة:
مـــوقــعهـــا :
تقع في الجهة الجنوبية حيث ترتكز عليها قبة الميزان منبر برهان الدين وهي التي يصعد إليها من عند الكأس .
الإنشـــــــــاء:
تعتبر هذه البائكة من أقدم البوائك حيث أن لها أصولاً عباسية وأعيد تجديدها في العصر الفاطمي ثمّ رممت في العصر العثماني زمن السلطان عبد الحميد الثاني وقد قامت لجنة إعمار الأقصى بترميمها عام 1982م .
وصـفهــــــــا:
دعامتين حجريتين بينهما ثلاثة أعمدة رخامية قديمة تعلوها أقواس حجرية مدببة الشكل وتعلو الأقواس بعض المداميك الحجرية المنتهية على شكل مدبب بها مزولة شمسية لمعرفة الوقت وهي من صنع رشد الإيمان في سنة 1907م

البــــائكـــة الجنـــــوبيــة الشـــرقــية:
تقع إلى الشرق من البائكة الأولى وهي تحمل نفس تاريخ الإنشاء والمواصفات إلا أن المجلس الإسلامي قام بترميمها عام 1945م بها نقش يدلل على أنها أنشأت في سنة 1021م/412ه ـ

البـــــائكــــة الشمـــــاليــة الشـــرقــية:
تقع في مقابل باب حطة بها ثلاثة بلاطات منقوشٌ عليها الآتي : (البلاطة الأولى: بسم الله الرحمن الرحيم ، إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر، تكمّل بلاط الحرم الشريف وأنشأت هذه القناطر في أيام مولانا السلطان الملك الناصر العالم العادل محمد بن السلطان الشهيد الملك المنصور قلاوون وذلك في ثاني ربيع الأول سنة ست وعشرين وسبع ماية هجري ) .
وعلى البلاطة الثانية : (وكان فراغ هذا البلاط المبارك والقناطر المباركة)
وعلى الثالثة : ( بنظر العبد الفقير إلى الله تعالى أيّدمر الشجاعي الملكي الناصري ناظر الحرمين الشريفين عفا الله عنه).

البــــائـكــة الشمـــاليــة الغــربيــة:
وبها نقش مكتوب بالخط النسخي المملوكي ما يلي : (بسم الله الرحمن الرحيم ، أنشأت هذه القناطر المباركة في أيام مولانا السلطان الملك الناصر العادل محمد بن السلطان الشهيد الملك المنصور قلاوون رحمه الله في جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وسبع ماية للهجرة)، وهذه البائكة مقابل الباب العتم "باب
فيصل".

البـــائكـــة الغــربيــة الشمــاليــة:
والذي يقع بجانبها الآن مقر حراس المسجد الأقصى وهي عبارة عن ثلاثة أعمدة أسطوانية في الوسط وقد بنيت العقود على ركبتين عظيمتين في الأطراف يصعد إليها من جهة باب الناظر "باب المجلس" بثلاث وعشرين درجة ، أنشأت سنة 738ه ـ .
الـبائـكـة الـوسـطى فــي الجـــهة الغـــربيـــة:
يعود تاريخ إنشائها إلى سنة 340 للهجرة وهي شبيهة بمن قبلها وتعتبر من أقدم البوائك، وهي مقابل الباب الغربي لقبة الصخرة وأقرب بائكة إليه، حيث تفضي إلى باب المطهرة في المقابل.
البـــائكـــة الغــربيـــة الجنـــوبـية:
وهي تقع بجانب القبة النحوية ويعود تاريخ إنشائها إلى سنة 877ه ـ /1472م وبها نقش يشير إلى سنة الإنشاء والمنشئ.
وختاماً لا يسعنا إلا أن نقف أمام الذين بنوا هذه القناطر ورفعوا هذه الموازين وقفة إجلال وتأمّل ، وقفة قارئ وناظر ومستبصر ، وقفة زائر في جولة يتنقل بين هذه البوائك متعرّفا على صفحات المجد ، مترحّما على قالون ، مستغفراً لصلاح الدين ، مادحاً سليمان ، ممسكاً بالقرآن تالياً آيات الرحمن لتعلوا من فوق هذا الميزان لتتلاقى الدموع مع الآذان فيشرق النصر المبين على مساطب الأقصى ومحاريبه في لقاء قادم بإذن الله ربّ العالمين