من الهلوسة… سيتشكل المستقبل
بدأت الأنفاس تتسارع … عدوت مسرعاً… قفزت فوق السور العالي… تنقلت بين السيارات المسرعة بخفة عجيبة، ثم سلمت نفسي إلى قسم الشرطة.. لم أتخيل يوماً أن أفعل ذلك… وإلى اليوم لا أدري كيف فعلت!!
قلت لصديقي بعد أن حكى قصة الهروب من مجموعة من اللصوص، “كيف فعلت ما لم تتوقع أن تفعله؟ القفز من ارتفاعات شاهقة، سرعة العدو، الخ”، فأخبرني أنه قرأ عن إفرازات يفرزها الجسم - عند الإحساس بالخطر، تمنح الإنسان طاقة هائلة عند التعرض للأزمات، قلت له: “لكنني أعتقد أنك اكتشفت هذه القدرات الخارقة لأنك لم تعمل عقلك حينها”. فنظر إلي باندهاش!!
عندما يتعرض الإنسان لموقف مفاجيء ربما يجعل حياته على المحك، فإنه يتصرف بشكل عفوي، وأثناء الهرولة ورؤية السور العالي يتوقف العقل عن التفكير في التفاصيل وتحليلات الموقف، ويمتنع عن الحسابات المعقدة قبل أخذ القرار، فيصنع الإنسان ما كان عقله يوهمه أنه مستحيل، ويكتشف بعضاً من قدراته التي ربما اعتبرها خارقة للعادة.
فهل إيقاف العقل عن العمل هو السبيل إلى التطور؟؟
لابد أولاً من تحديد ما نعنيه بالعمل هنا، فالعقل إذا امتلأ جهلاً - كأن يجهل الشخص قدراته، فإنه حين يعمل يبعث برسائل سلبية عند استخدامه في التفكير، مفادها “لا فائدة من الفعل”، “أنت أضعف من أن تقوم بهذا”، لكنه إن تسلح بالمعرفة، فحينها سيؤكد لصاحبه إمكانية الفعل، وما حدث مع صديقي هو توقف دور العقل عن بث الرسائل السلبية عند الأزمة، وعن ارتكاب جريمة التثبيط، فتجلت القدرات الكامنة، لذلك أخبرني صديقي: “كنت أتصرف بشكل لا إرادي”، أي لم يعمل فيه عقله، وعندما ترك نفسه لاختبار قدراتها اكتشف عظمتها وإمكانياتها، ولعله استاء من عقله الذي طالما أقنعه أنه لا يستطيع.
إننا نلحظ أن العقل بالرغم من أنه أداة تطورت بها البشرية، إلا أنه كان أحياناً أداة تخلفها، عندما عشش الجهل فيه، فنسج خيوطاً هشة عن الوعي بالفعل وإمكانيته، وأفرخ فكرة مفادها أن قفز السور غير ممكن.
إن صناع التحولات يستعلون فوق نقاط ضعف عقولهم، فيزودونها بالعلم، الذي يؤكد إمكانية إحداث التحولات، ولا يسمحون لإفرازات الجهل من مسلمات خاطئة أن تتحكم في تصرفاتهم، إنهم يحررون عقولهم من أسر عقولهم، ويدركون أن العقل لغة يعني “القيد”، فيشرعون في فك بعض قيوده بالعلم.
ينعتون القادة العظماء والمخترعين بالجنون، لأنهم يفكرون بطريقة تختلف عمن حولهم، لكنني أرى أحد أسرار تميزهم في أن عقول الكثير منهم أخلصت في ولائها لهم، فلم تسمح لخصومهم أن يبرمجوها، كما أشربت علماً بالقضية التي تبنوها، فآمنوا بقدراتهم، أما الآخرون الذين تصوروا أنفسهم “العقلاء”؛ فجهلهم بإمكانياتهم أقعدهم، وجهلهم بخصومهم أخافهم، وإن كان الجنون يعني تحرر العقل من قيوده بالعلم الذي يترجم إلى فعل؛ فأهلاً بالمجانين، الذين سيستجيبون للتحديات بفعل يدهش العالم، فيقفزون الأسوار العالية، ويخترقون زحام التدافع الحضاري بخفة بالغة، سلاحهم العلم، ولغتهم الهلوسة، فمن هلوساتهم – التي لا يفهمها الناس – سيتشكل المستقبل.
بقلم: م/ وائل عادلبدأت الأنفاس تتسارع … عدوت مسرعاً… قفزت فوق السور العالي… تنقلت بين السيارات المسرعة بخفة عجيبة، ثم سلمت نفسي إلى قسم الشرطة.. لم أتخيل يوماً أن أفعل ذلك… وإلى اليوم لا أدري كيف فعلت!!
قلت لصديقي بعد أن حكى قصة الهروب من مجموعة من اللصوص، “كيف فعلت ما لم تتوقع أن تفعله؟ القفز من ارتفاعات شاهقة، سرعة العدو، الخ”، فأخبرني أنه قرأ عن إفرازات يفرزها الجسم - عند الإحساس بالخطر، تمنح الإنسان طاقة هائلة عند التعرض للأزمات، قلت له: “لكنني أعتقد أنك اكتشفت هذه القدرات الخارقة لأنك لم تعمل عقلك حينها”. فنظر إلي باندهاش!!
عندما يتعرض الإنسان لموقف مفاجيء ربما يجعل حياته على المحك، فإنه يتصرف بشكل عفوي، وأثناء الهرولة ورؤية السور العالي يتوقف العقل عن التفكير في التفاصيل وتحليلات الموقف، ويمتنع عن الحسابات المعقدة قبل أخذ القرار، فيصنع الإنسان ما كان عقله يوهمه أنه مستحيل، ويكتشف بعضاً من قدراته التي ربما اعتبرها خارقة للعادة.
فهل إيقاف العقل عن العمل هو السبيل إلى التطور؟؟
لابد أولاً من تحديد ما نعنيه بالعمل هنا، فالعقل إذا امتلأ جهلاً - كأن يجهل الشخص قدراته، فإنه حين يعمل يبعث برسائل سلبية عند استخدامه في التفكير، مفادها “لا فائدة من الفعل”، “أنت أضعف من أن تقوم بهذا”، لكنه إن تسلح بالمعرفة، فحينها سيؤكد لصاحبه إمكانية الفعل، وما حدث مع صديقي هو توقف دور العقل عن بث الرسائل السلبية عند الأزمة، وعن ارتكاب جريمة التثبيط، فتجلت القدرات الكامنة، لذلك أخبرني صديقي: “كنت أتصرف بشكل لا إرادي”، أي لم يعمل فيه عقله، وعندما ترك نفسه لاختبار قدراتها اكتشف عظمتها وإمكانياتها، ولعله استاء من عقله الذي طالما أقنعه أنه لا يستطيع.
إننا نلحظ أن العقل بالرغم من أنه أداة تطورت بها البشرية، إلا أنه كان أحياناً أداة تخلفها، عندما عشش الجهل فيه، فنسج خيوطاً هشة عن الوعي بالفعل وإمكانيته، وأفرخ فكرة مفادها أن قفز السور غير ممكن.
إن صناع التحولات يستعلون فوق نقاط ضعف عقولهم، فيزودونها بالعلم، الذي يؤكد إمكانية إحداث التحولات، ولا يسمحون لإفرازات الجهل من مسلمات خاطئة أن تتحكم في تصرفاتهم، إنهم يحررون عقولهم من أسر عقولهم، ويدركون أن العقل لغة يعني “القيد”، فيشرعون في فك بعض قيوده بالعلم.
ينعتون القادة العظماء والمخترعين بالجنون، لأنهم يفكرون بطريقة تختلف عمن حولهم، لكنني أرى أحد أسرار تميزهم في أن عقول الكثير منهم أخلصت في ولائها لهم، فلم تسمح لخصومهم أن يبرمجوها، كما أشربت علماً بالقضية التي تبنوها، فآمنوا بقدراتهم، أما الآخرون الذين تصوروا أنفسهم “العقلاء”؛ فجهلهم بإمكانياتهم أقعدهم، وجهلهم بخصومهم أخافهم، وإن كان الجنون يعني تحرر العقل من قيوده بالعلم الذي يترجم إلى فعل؛ فأهلاً بالمجانين، الذين سيستجيبون للتحديات بفعل يدهش العالم، فيقفزون الأسوار العالية، ويخترقون زحام التدافع الحضاري بخفة بالغة، سلاحهم العلم، ولغتهم الهلوسة، فمن هلوساتهم – التي لا يفهمها الناس – سيتشكل المستقبل.