بسم الله الرحمن الرحيم
فلسطين والعودة إلى الإسلام...بقلم الدكتور راغب السرجاني
قضية فلسطين قضية من أخطر القضايا التي تواجه أمة الإسلام، بل لعلها أخطر القضايا على الإطلاق.. هذه الأرض الإسلامية المباركة المغتصبة، التي تآمر عليها أهل الشرق وأهل الغرب، بل وتآمر عليها مسلمون، إما بجهل وإما بعلم، ومع ذلك فكما طمأننا الله- عز وجل- في كتابه سيكون ميراث هذه الأرض- إن شاء الله- للمسلمين المتقين: [إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ] {الأعراف: 128}.
خصائص فريدة تميز فلسطين عن غيرها
فلسطين أرض إسلامية، كما أن مصر أرض إسلامية، وكما أن العراق أرض إسلامية، وكما أن الشيشان أرض إسلامية، وكما أن أي بقعة على الأرض حُكمت بالإسلام- ولو يومًا واحدًا- أرض إسلامية... وذلك لأنه لو دخل الإسلام بلدًا فتحًا أو صلحًا، وحماها الشرع الإسلامي؛ لصار هذا البلد إسلاميًّا إلى يوم الدين، مهما تغيرت قوانين الأرض، ومهما اختلفت أحكام البشر، ومهما تضاربت أقوال الناس؛ لأن هذا هو شرع الله- عز وجل- ولا تبديل لكلمات الله..
وأرض فلسطين ليست أرضًا إسلامية فقط، بل خصها الله- عز وجل- بخصائص فريدة لا تجتمع في غيرها من أراضي المسلمين:
أولاً:
هي قبلة المسلمين الأولى.
ثانيًا:
هي مسرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا:
بها الأقصى الذي ربطه الله- عز وجل- بالبيت الحرام، فجعله البيت الثاني للعبادة على الأرض بعد الكعبة.
رابعًا:
بها المسجد الذي لا تُشد الرحال إلا إليه وإلى البيت الحرام ومسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
خامسًا:
الصلاة في مسجدها الأقصى بخمسمائة صلاة.
سادسًا:
سماها الله- عز وجل- في كتابه بالأرض المباركة وبالأرض المقدسة.
سابعًا:
هي أرض المحشر والمنشر.
ثامنًا:
جعل الله على أرضها كثيرًا من المعارك الفاصلة في تاريخ المسلمين كأجنادين، وبيسان، وحطين، وعين جالوت، وسيكون على أرضها- إن شاء الله- أيضًا القتال الأخير بين المسلمين واليهود، والذي سيكون قبل الساعة مباشرةً، وفيه ينتصر المسلمون- بإذن الله.
تاسعًا:
بارك الله- عز وجل- في أهلها إلى يوم القيامة، فأشار إلى أنهم لا يزالون على الحق إلى يوم القيامة في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.
عاشرًا:
لأن الله- عز وجل- جعلها موطن كثير من الأنبياء الذين ولدوا فيها أو هاجروا إليها، أو عاشوا على أرضها، أو دفنوا في باطنها.
فتلك يا إخواني عشرة كاملة، لأجلها فُضلت هذه الأرض على غيرها من أراضي المسلمين.
وقد يسأل سائل: لماذا فضلت هذه الأرض بالذات بكل هذه المزايا، ونقول: إن الله- عز وجل- بسابق علمه علم أن أهل الأرض جميعًا سيفكرون في غزو هذه البقعة الصغيرة من الأرض لقدسيتها وخيرها، وأن هذه المنطقة ستظل بؤرة صراع إلى يوم القيامة، طمع فيها الفرس، وطمع فيها الرومان، وطمع فيها الصليبيون، وطمع فيها التتار، وطمع فيها الإنجليز، وطمع فيها اليهود، وسيطمع فيها آخرون وآخرون، فأراد الله- عز وجل- أن يزرع الحمية العظيمة في قلوب المسلمين؛ حتى لا يسكتوا عن احتلالها أبدًا.. نعم، المسلمون يجب ألا يقبلوا باحتلال أو تدنيس أي أرض إسلامية.
غير مقبول تمييع قضية فلسطين أو تحريف إسلاميتها
ولكن هذه الأرض بالذات ستتكرر محاولات تدنيسها واحتلالها، ولقد رفع الله- عز وجل- من قيمتها؛ حتى لا ينساها المسلمون أبدًا مهما تقادم الزمان على احتلالها؛ ولذلك فإسلامية قضية فلسطين واضحة جدًّا أكثر من وضوح أي قضية إسلامية أخرى، ومن ثم لا يُعقل ولا يُقبل أن تُميَّع هذه القضية بالذات أو تُحرَّف إسلاميتها أبدًا؛ ولذلك أيضًا فقد جعل الله- عز وجل- قضية فلسطين مقياسًا لإيمان الأمة بصفة عامة، فتسقط فلسطين في براثن الاحتلال أيًّا كان هذا الاحتلال؛ إذ ابتعد المسلمون عن دينهم، وفقدوا هويتهم، ولم يتبعوا شرع ربهم، وتعود فلسطين إلى ديار المسلمين إذا عاد المسلمون إلى دينهم، وتمسكوا بشرع ربهم وسنة نبيهم- صلى الله عليه وسلم-..
فلحظات ارتفاع المقاومة للاحتلال، ولحظات النضال والجهاد والقوة هي لحظات الإيمان، وأما إذا ظهر الاستسلام والخنوع، فهذه إشارة إلى غياب الدين من حياة المسلمين.
.
.
م
ن
ق
و
ل