كلمة الشهيد ابو جهاد في ندوة اتحاد المحامين العرب
بسم الله الرحمن الرحيم
ان كل حركة في وسط أمتنا لها دورها ولها تأثيرها على نضال جماهير شعبنا في الأرض المحتلة، وإن كنت لست من أرباب البيان وأنتم فرسانه إلاّ أني بحديث مناضل في هذه الساحة أرجو أن يضعكم في جانب من جوانب هذه الصورة التي أوفيتم جوانب كثيرة منها وما سمعناها اليوم، شئ يدل على عمق المتابعة اليومية لهذا النضال والتجاوب القومي العميق مع هذا النضال الذي يعتبر ولا شك رأس حربة في نضال أمتنا العربية، ذلك أن الأمر ليس نضال قطر إننا دائماً نقول في نضالنا إننا رأس الحربة من أمتنا نستمد العزم منها ونستمد الروح، ومنها تزداد قدرتنا على العطاء بصورة متواصلة، وإذا لبسنا يوماً ثياب فلسطين كقطر، فهي ليست إلاّ لأنها الضحية التي تعرّضت لهذا العدوان ومن واجب أمتنا في لحظة من اللحظات إذا تعرّضت بعض أقطارنا للخطر أن تقف كل الأمة العربية خلف هذه الضحية، حتى يكون لنضالها معنى ويكون لها تأثير.
أيها الأخوة
يناضل الشعب وجاءت انتفاضته لتشد أنظار العالم بأسره ولم تكن هذه الانتفاضة مقطوعة عن مجريات نضاله اليومي الذي توالي وتتابع، هذه الإنتفاضة لم تكن إلاّ حلقة من حلقات هذا النضال، إنها الأكثر عنفاً، انها الأكثر شمولاً في ساحتنا، ولكنها كانت جزءاً من هذا النضال اليومي المتواصل الذي لم يتوقف وعبّرت يوم تفجّرت هذه الانتفاضة عن عمق المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني لم تكن هبة عاطفية عارمة ولم تكن عصبة مؤقتة تعبر عن شحنات الغضب التي تحملها إنما كانت امتداداً، لأن هذه الانتفاضة كانت عند شعبنا قراراً يومياً ونضالاً متواصلاً عبر كل السنوات الماضية، أنها صورة من النضال السياسي الذي يواصله هذا الشعب داخل الوطن المحتل، صورة من النضال السياسي الذي لم يتوقف طيلة السنوات الماضية وإذا أردنا أن نتحدث عنها فهي التي بدأت مع بدء الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967، بعد أيام من الاحتلال كانت مظاهرات الشعب في شوارع القدس وفي كل مكان تعبر عن رفضها للاحتلال، وإذا توالت الأيام التي تلت وفرضت على شعبنا فترة من الهدوء إلاّ أنها كانت تنتهز كل فرصة لتتفجر من جديد وتنطلق مرة أخرى تعبر عن ذاتها ووجودها، وحينما انطلقت الثورة الفلسطينية أعطت مزيداً من العزم لأهلنا في داخل الوطن المحتل أنها عبّرت أيضاً عن صورة من صور الرفض والمواجهة لهذا العدو ورفض الاحتلال والمواجهة له بوسائل النضال العسكري، إضافة إلى تلك الحركة السياسية في الساحة العربية والعالمية التي لها دورها أيضاً، حينها كان يدرك العدو الإسرائيلي ماذا يعني نضال الثورة الفلسطينية في الخارج ونضال الشعب في الداخل، كان دائماً يوجه ضرباته إلى قواعد الثورة الفلسطينية في الخارج هادفاً من ذلك أن يؤثر على إرادة الجماهير في الوطن المحتل وأن يهز هذه الإرادة وأن يشعرها بالإحباط واليأس، هذا كان أحد الأهداف الأساسية عندما يضرب قواعد الثورة أو مخيماتها في لبنان، أو في أي مكان كانت تتواجد فيه هذه الثورة، أو في أماكن تجمعات شعبنا، ومثلما كان أيضاً عندما يستفرد أو يحاول الاستفراد بأبناء شعبنا في داخل الوطن المحتل، كان لهذا أرضاً تأثيره على من في الخارج، وهذا الترابط جزء من استراتيجية عدونا الإسرائيلي يدركها حق الإدراك والمعرفة ولذلك إذا دققنا النظر في مثل من الأمثلة التي تمثلت في عدوان 1982، دعونا ندقق ماذا كان الهدف الإسرائيلي في تلك المرحلة، إذا رجعنا إلى الوثائق التي نشرت عن تكل الحرب في كتاب الحرب المضللة الذي كتبه الكاتبان الإسرائيليان المعروفان، زئيف شيف ويهود أيعري، نص أهداف العدوان الإسرائيلي لعام 1982 الذي قدمه شارون إلى مجلس الوزراء الإسرائيلي واعتمدت قبل عدة أشهر من بدء المعركة في لبنان وهي التي جدد اعتمادها قبل أسبوع من بدء حرب حزيران 1982، ماذا كانت تلك الأهداف، أنها تقول بالحرف الواحد حسب ما جاء في تلك الوثيقة هدف المعركة:
أولاً: تدمير البنية التحتية، لـ (م.ت.ف.) وتدمير قدراتها العسكرية ومؤسساتها السياسية
ثانياً: الإتيان ببشير الجميل رئيساً لجمهورية لبنان.
ثالثاً: بعد توزع قوات الثورة الفلسطينية على المناطق العربية حسب تعبير الخطة الإسرائيلية تفقد بذلك إستقلاليتها مما يضعف سيطرة (م.ت.ف. )على المناطق المحتلة وهذا مما يهيئ الفرصة لإسرائيل في المناطق المدارة لإقامة حكم ذاتي حسب الشروط والمبادئ الإسرائيلية، هذا هو الهدف الآخر المربوط بشعبنا والذي يهدفون منه أيضاً إلى ضرب شعبنا، ضرب الخارج يربطونه بضرب الداخل، ثم بعد ذلك يضيف وهذا يفرض أمراً واقعاً يمتد ثلاثين عاماً، هذه العبارات بنصها الحرفي وثيقة في كتاب الحرب المضللة.
هذه صورة توضح مدى ترابط الداخل والخارج في إستراتيجية عدونا، وكيف أنه يريد أن يضرب القوة والقدرة التي نشأت في الخارج حتى يؤثر ذلك على الداخل فيهيئ له الفرصة ليقيم الحكم الذاتي حسب الشروط والمبادئ الإسرائيلية، هذا الحكم الذاتي الذي يعرّفونه: أنه لا يملك السكان الأرض، ولا حتى الماء الذي في جوف الأرض، وهكذا كان المخطط الإسرائيلي.
وبالطبع جاءت الأيام التي بعدها لتثبت لعدونا، فشل خطته وبالفعل عادت من جديد ونهضت من جديد قدرة وقوة م.ت.ف. منذ عام 1982 عندما عادت من جديد ونهضت من جديد قدرة وقوة (م.ت.ف.) منذ عام 1982 عندما أعادت بناء قواتها وتدريبها وتسليحها وأعادت مؤسساتها السياسية وعلى الصعيد السياسي عادت من جديد تأخذ دورها في ساحتنا الفلسطينية وتؤدي دورها وخاصة بعدما تعززت بدورة المجلس الوطني الأخيرة في الجزائر دورة الوحدة الوطنية الفلسطينية و ما كان لها من أثر داخل الوطن المحتل، أيضاً هذا الدور الذي قامت به ترافق بالنضال الوطني الفلسطيني في الأرض المحتلة، هذا النضال الذي كان نضالاً سياسياً يرتبط مع كل حدث يقع، عندما كانت تتعرض الثورة الفلسطينية لمشكلة.
عندما كانت المخيمات الفلسطينية في لبنان سواء بمجزرة شارون في صبرا وشاتيلا وما بعدها من أحداث حدثت في الساحة اللبنانية وفي مخيماتنا، كان الصوت الذي يأتي من الداخل هو أول الأصوات التي تبادر بالتعبير عن موقف الإدانة وتعطي رأيها وموقفها وهذا كان يتوالى يوماً بعد يوم مع كل حدث، وعندما كان يحدث الحصار على المخيمات كنا نجد من هؤلاء الحركة السياسية التي لها دورها وتأثيرها في أوساط جماهيرنا الشعبية هناك وحتى التبرع بالدم وجمع المواد التموينية وتوالت هذه النشاطات السياسية التي كانت في داخل الأرض المحتلة وتجددت بصورة من التظاهرات اليومية والانتفاضات المتواصلة، ويكفي أن نعود إلى بعض الأرقام التي نذكر فيها مرحلة السنوات الثلاث الأخيرة على سبيل المثال وذلك يعطي صورة عن استمرارية هذا النضال: ففي 85 19 كان هناك عمليات الاحتجاج والإضراب حوالي 543 حركة احتجاج وإضراب وتظاهرات واعتصام عام 87 حتى ما قبل الانتفاضة كان هناك 317 حركة احتجاج جماهيري واسعة بالإضافة 1265 تحرك ما بين إضراب واعتصام وتظاهرة، وهذا يعطي صورة عن الوضع في داخل الأرض المحتلة من تحركات سياسية
ومن هنا يجب أن لا يفوتنا واقع أرضنا المحتلة وأن نعطيه نظرة فاحصة فقد كان هنا هذا الإحتلال الذي كانت مهمته الأساسية كيف يدمر كل جوانب الحياة الفلسطينية في الأرض المحتلة، هذا الإحتلال كان له دور وردات فعل وله أثر بالنسبة لماضي نفوس جماهيرنا مما يزيدها اشتعالاً وتفراً ويكون في حركة مواجهة ونضال ضد الإحتلال عندما ندقق النظر في وطننا المحتل، كانت سياسة العدو أن يدمر حياتنا في كل قناة من قنوات هذه الحياة ولنقرب بعض الأمثلة التي تجسد هذه الممارسات الإسرائيلية ولنرى في مجال التعليم مثلاً واحداً ففي عام 1967 كان عدد الطلبة الذين أنهوا المرحلة الثانوية حوالي 3500 طالب، أما في عام 1987 فقد زاد على 18 ألف طالب، وإذا دققنا النظر في ذلك فسوف نجد أنه من جانب السلطة الإسرائيلية لم يكن هناك أي مساعدة أو بناء مدرسة أو فصل دراسي واحد لهذا المستوى فكيف لبقية المدارس فالإحتلال لم يبنِ مدرسة واحدة رغم الأرقام التي تحملها الدعاية الإسرائيلية، لم يبنَ مدرسة خلال عشرين عاماً من الحصار التي تلف العالم حولهم، وكم كانت نسبة التطور في داخل الوطن المحتل؟، نجد أن هذا التطور وزيادة أعداد الطلبة في الأرض المحتلة والتي أصبحت نسبة تقارب 40% من سكان الوطن المحتل هؤلاء لم يكن هنا ما يعلن العدو أنه بني المدارس، كثير من المدارس التي بنيت وبالعشرات بنيت من جهود المواطنين عندما كانوا يجمعون التبرعات ليبنوا هذه المدارس.
وعلى صعيد الخسائر نجد أنه في عام 1985 سقط لنا 42 شهيداً و 165 جريحاً، وفي عام 1986 سقط لنا 34 شهيداً و 208 جريحاً، وفي عام 1987 ما قبل الإنتفاضة سقط لنا 39 شهيداً و 455 جريحاً وهذا يوضح كم كانت التظاهرات والإحتجاجات مستمرة، وعندما نبدأ لنستمر أسبوعاً وتهدأ أسبوعاً لتتفجّر مرة أخرى، لتستمر شهوراً ولكن في هذه المرة إستمرت وأخذت الطابع الإستراتيجي، لأننا لا بد أن نعرف أن هذه الإنتفاضة لم تأتِ من فراغ وانما أتت كحلقة من حلقات النضال الشعبي الفلسطيني داخل الوطن المحتل، ولم تكن هبة عاطفية لأنها جاءت نتيجة تراكمات نضالية ونتيجة تفاعل وحركة منظمة أيضاً كان لها دورها هذه الحركة المنظمة والإطارات الجماهيرية التي بدأ تشكيلها وخاصةفي المرحلة التي تلت عام 1982 كان تركيز قيادة الثورة في اجتماعاتها أن الساحة الأكثر سخونة والتي يجب أن يتجه إليها الجهد الأساسي هي ساحة الوطن المحتل وأن أي ساحة أخرى هي مساندة وأن ساحة الجهد الرئيس هي ساحة الوطن المحتل، ولذلك كل الجهود يجب أن تتوالى في داخل الوطن المحتل لدعم صمود جماهيرنا حتى تستطيع أن تعبئ كل الجهود إلى أن تتصاعد وتتفجر الثورة الدائمة حتى تحقيق أهداف شعبنا.
من الجهود التي قدمتها اللجنة المشتركة التي ساعدت في بناء العشرات من المدارس بالإضافة على جهود بعض الجهات أو الأفراد الذين قدموا لبناء مدارس.