التقرير الذي قدمه ابو جهاد في دورة المجلس المركزي
المنعقدة في بغداد 7-12/1/1988
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوة/رئيس وأعضاء المجلس المركزي حفظهم الله
تحية الثورة وبعد
في هذا اليوم، وفي بداية الشهر الثاني على التوالي تواصل جماهير شعبنا في كافة أرجاء فلسطين انتفاضتها الثورية الكبرى، محققة بشجاعتها واستعدادها اللامحدود للعطاء منعطفاً تاريخياً في مسيرة قضيتنا ونضالنا الفلسطيني.
وفي وقت لا زالت فيه الإنتفاضة الكبرى تتوهج بدماء الشهداء والجرحى وتضحيات وعذابات ألوف المعتقلين، وبعطاء كافة جماهير شعبنا ومعاناتهم فإن العالم أدرك ومنذ اللحظة الأولى مغزاها ومعناها، وأدرك مجدداً أن الشعب الفلسطيني مصمم على إستمرار نضاله وتضحياته من اجل لا إنتزاع حقوقه المشروعة في العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة بقيادة (م. ت. ف.) ممثله الشرعي والوحيد.
وحين نبدأ الحديث عن الإنتفاضة الثورية واندلاعها، يجدر بنا التوقف أمام محطات ثلاث *أولا : إن الانتفاضة قرار دائم وممارسة يومية لدى جماهير شعبنا في فلسطين ومواجهة مستمرة للإحتلال الإسرائيلي لم تتوقف، ذلك أن قراءة سريعة في وقائع الأعوام الماضية على الإحتلال تبرز جيداً أن شعبنا كان مستمراً وعلى الدوام في مواجهات المتواصلة للمحتلين وبرامجهم ومخططاتهم وسياساتهم، وسقط خلال الأعوام الماضية بإمتدادها المئات من أبناء شعبنا شهداء برصاص العدو المحتل، وجرح الآلاف خلال مسيرة التظاهرات الجماهيرية المتواصلة، وخلال سنوات الإحتلال العشرون الماضية للضفة الغربية والقطاع سجّلت نحو أكثر من نصف مليون حالة إعتقال مختلفة في السجون الإسرائلية وتم الإعلان رسمياً عن إبعاد أكثر من( 2100) من المواطنين
*ثانيا: أصالة هذه الإنتفاضة الثورية، والقدرة الفذّة لشعبنا على مواصلة العطاء وبذل التضحيات دون كلل أو وهن وإرهاق، فهذه الإنتفاضة الجارية إنما تشكل تواصلاً تاريخياً متجدداً لنضالات شعبنا وجماهيرنا وتضحياتها في تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني الشامل والمتكامل داخل وخارج الأرض المحتلة.
وعودة إلى وقائع الأربعة عشر شهراً الماضية والتي تشير إلى أنه منذ شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام 1986 وحتى هذه اللحظة تعيش فلسطين حالة غليان جماهيري واسع، ولنعد بذاكرتنا إلى ذلك التاريخ من خريف عام 1986، حيث تفجّرت الإنتفاضة على قاعدة محاربة برنامج محاولة خلق وإقامة قيادة بديلة لمنظمة التحرير، ويوم سقط أربعة شهداء في جامعة بيرزيت، ومخيم بلاطة.
وظلّ شعبنا يمارس ويصنع مختلف أشكال النضال الجماهيري على مدى الشهور التالية، لقد كانت هناك دورة أخرى تذكرونها قبيل وخلال انعقاد الدورة الثامنة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني وفي ذكرى مرور عشرين عاماً على إحتلال الضفة والقطاع في الخامس من حزيران (يونيو) ثم بلغت ذروة أخرى في الذكرى السبعين لوعد بلفور، واثناء انعقاد القمة العربية في عمان حتى يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني وعلى هذا الدرب الملتهب استمرت حركة الشعب ومواجهته للإحتلال، ولنتذكر أن 39 شهيداً وأربعمائة وثمانين جريحاً سقطوا برصاص جيش الإحتلال ضد المتظاهرين من أبناء شعبنا، وذلك قبل بداية الإنتفاضة الأخيرة التي واصلت فيها الجماهير نضالها الملتهب منذ التاسع من كانون الأول ديسمبر سنة 1987، تلك التي ما زالت تفرض وقائعها أمام العالم بهذا الزخم الهائل لقضية شعبنا وثورته ومنظمته.
* ثالثا:ً ان هذه الانتفاضة الثورة قد جاءت تتويجاً لمجمل النضال الوطني المتواصل في الداخل بكل تراكماته النضالية، ودروسه، وعبره، وتجاربه لم تكن حركة الشعب هذه مقطوعة أو منفصلة عن مجمل المسيرة النضالية الطويلة لهذا الشعب، بل جاءت نتاجاً طبيعياً لهذه المسيرة التي تقودها م.ت.ف. فهذه الجماهير التي خرجت في أنحاء فلسطين لتفرض سلطة الشعب الثورية ولساعات طويلة، بل ولأيام ممتدة على المخيمات وساحات المدن، وإذا كثف جيش العدو وجوده نهاراً، فهي المتواجدة ليلاً بسيطرتها على الأحياء والشوارع. انها هذه الجماهير التي ولدت وكبرت ونضجت في لهيب معاناة القمع الصهيوني والوحشي، ولهيب الكفاح الوطني الفلسطيني الذي كان الرد العربي الوحيد على العدو في أعقاب هزيمة سنة 1967م.
* أيها الأخوة:
ان كل عبارات التميجد والإعتزاز والتحية لا تكفي لتثمين انتفاضة ونضال شعبنا في فلسطيننا، فجماهير شعبنا في الداخل عودتنا وعوّدت العالم أن تهب في اللحظة الصعبة دائماً، أو كلما أحاطت بثورتنا في الخارج أزمة أو محنة، لكي ترفع الراية عالياً وترسل صوت شعبنا معبراً عن حقيقة وحدة شعبنا وتماسكه في الداخل والخارج لحمة واحدة وجسداً واحد، وها هي جماهيرنا في هذه المرحلة تمضي معبأة بحماس وجراة منقطعة النظير، مسلّحة أولاً وقبل كل شئ بالبرنامج والشعارات السياسية للمنظمة، ومرتكزة على ذلك التراث الهائل من التربة النضالية في مواجهة العدو، تسجل انتفاضتها الجديدة لتعيد توضيح الصورة الفلسطينية التي لم توقف لحظة المؤامرات الهادفة لتشويهها تحت مختلف العناوين، تأتي لتمدنا بزخم جديد يفتح أمامنا آفاقاً واسعة لتصعيد نضالنا مرتكزين في الأساس على نضال جماهير شعبنا وعطائها واستعدادها وتجسيدها لفلسطين أرضاً، ووطناً، ومنظمة، وقيادة، وشعباً، وحدة واحدة لا تنفصم.