بلعين مسيرةٌ لم تنكسروجوابٌ لا ينتظر السائلين
في يوم الجمعة من كل اسبوع، تخرج بلعين والمتضامنون معها، مواطنين واجانب، الى الفضاء الذي يحاصره جدار الفصل العنصري، والى الارض التي يحاول الاستيطان ان يبتلع ما بقي منها، وإلينا جميعاً - وهو الأهم- بمسيرة لا تملك فيها سوى حناجرها وقبضاتها الفارغة، وصدورها العارية، واعلامها وهتافاتها الوطنية، ضد الجدار والحصار، وضد الاستيطان، وضد الاحتلال بكل اشكاله.
بلعين لا تزال وحيدة. هي تخرج الينا في الواقع، قبل ان يكون خروجها المعتاد ضد الغزاة، لتقول لنا ان الانتفاضة الشعبية لم تمت، وانها باقية وصامدة ومتواصلة في الالتصاق بالارض والحياة والأمل، كي تنضم اليها بقية قرانا ومدننا ومخيماتنا.
بلعين لا تزال فئة قليلة. و"كم من فئة قلية غلبت فئة كثيرة". تحمل قتلانا في الطوفان، على اكتافها المجرحة وعلى عيونها الملتهبة، وتترفق بهم الى باطن الارض التي انجبتهم ثم تنهض الى مسيرتها.
انقطاع الرواتب لم يقطع المسيرة، والفلتان الامني لم يكسر المسيرة، والفوضى لم تهزم المسيرة. وخلاف الفصائل والاحزاب لم يحول المسيرة الى ظل تابع لهذا الفصيل او ذاك الحزب، والخوف من القادم لم يصادر شجاعة المسيرة وارادتها وتفاؤلها بغدِ افضل واجمل.
بلعين لا تزال مجرد خبر يتكرر من اسبوع الى اسبوع في صحفنا المحلية، على حياء وخجل. ننساها في غمار الفوضى والخراب، ولا تنسانا هي أبداً. تنتزع ايدينا من الوحل، وترفعها الى جبينها العالي، فنعرف ان النسيان عار، وان الوحل زائل، ثم نسقط عن المعرفة الى الارتباك والتشويش والفقدان.
بلعين حارسة النار في عتمة النفق الضيق الطويل، ساهرة حتى مطلع الفجر، وحتى انهيار النفق وعتمته، لا تنكمش عن زيتونها الفلسطيني، ولا تتراجع عن مسيرتها الحضارية.
بلعين مع ذلك، لم تعبر بعد، الى عقول واقلام كتّاب الاعمدة، والى قصائد الشعراء والمغنين، والى اللوحات التشكيلية والى احاديث الناس في الأزقة والشوارع والحواكير.
وبلعين في هذا الواقع المرّ، لا تحزن ولا تيأس، ولا تفقد صلابة سعيها الينا، نحن الذين لم نسمح لها بالعبور، ولم نجرؤ على السعي معها، ومثلها.
المقاومة المسلحة ذات النُخب الفصائلية المحاطة بالسرية والكتمان، أم الانتفاضة الشعبية السلمية العلنية والمكشوفة والشاملة لجميع المواطنين دون استثناء؟ أم لا هذه ولا هذه، في زمن الانهيار والخراب؟ سؤال لا تطرحه بلعين، وانما نطرحه نحن الذين لم نتقن أسس ومبادئ ومواقيت المقاومة المسلحة، فاضطربنا فيها، بعد ان فقدنا انتفاضتنا الشعبية الاولى، والقينا بها وراء ظهورنا، لا سنداً لهذه الظهور، بل مجرد ركام مهمل ومنسي، دون عبرة او درس منه، ودون ذاكرة ودون جملة واحدة في ثقافة الجيل الجديد.
بلعين لا تسأل. ولكنها تصنع الجواب في يوم الجمعة من كل اسبوع، راسخاً وقوياً وواضحاً، كي يتحول في الايام المقبلة، الى جواب يومي، الى مسيرة يومية يتماهى فيها الكبار والصغار، والنساء والرجال، والشجر والبشر والحجر، من رفح الى جنين، حتى يزول الاحتلال والاستيطان والجدار.
بلعين اكبر من اغنية لم توجد بعد، واوسع من قصيدة، ومن لوحة تشكيلية، ومن خطاب قائد سياسي، او عشرين من القادة الذين يملؤون الفضائيات بحضورهم الذي هو وغيابهم سيّان.
بلعين ضمير شعب بأكمله، لا فرق فيه بين فصيل وفصيل، وحزب وحزب، وناطق وساكت، وناشط وهامد. فاذا حوصر هذا الضمير بالخوف والجوع والفوضى، وبنادق الاهل المتصارعين فوق جراحهم، كأن جرحاً صعد يوماً ضد جرح في الجسد الواحد، وبالطائرات والدبابات والجرافات الاسرائيلية، فانه هو الحي المتوارث جيلاً بعد جيل، لا يختنق، ولا يندثر تحت الحصار.
بقلم: علي الخليلي
منقووووووول
بلعين لا تزال وحيدة. هي تخرج الينا في الواقع، قبل ان يكون خروجها المعتاد ضد الغزاة، لتقول لنا ان الانتفاضة الشعبية لم تمت، وانها باقية وصامدة ومتواصلة في الالتصاق بالارض والحياة والأمل، كي تنضم اليها بقية قرانا ومدننا ومخيماتنا.
بلعين لا تزال فئة قليلة. و"كم من فئة قلية غلبت فئة كثيرة". تحمل قتلانا في الطوفان، على اكتافها المجرحة وعلى عيونها الملتهبة، وتترفق بهم الى باطن الارض التي انجبتهم ثم تنهض الى مسيرتها.
انقطاع الرواتب لم يقطع المسيرة، والفلتان الامني لم يكسر المسيرة، والفوضى لم تهزم المسيرة. وخلاف الفصائل والاحزاب لم يحول المسيرة الى ظل تابع لهذا الفصيل او ذاك الحزب، والخوف من القادم لم يصادر شجاعة المسيرة وارادتها وتفاؤلها بغدِ افضل واجمل.
بلعين لا تزال مجرد خبر يتكرر من اسبوع الى اسبوع في صحفنا المحلية، على حياء وخجل. ننساها في غمار الفوضى والخراب، ولا تنسانا هي أبداً. تنتزع ايدينا من الوحل، وترفعها الى جبينها العالي، فنعرف ان النسيان عار، وان الوحل زائل، ثم نسقط عن المعرفة الى الارتباك والتشويش والفقدان.
بلعين حارسة النار في عتمة النفق الضيق الطويل، ساهرة حتى مطلع الفجر، وحتى انهيار النفق وعتمته، لا تنكمش عن زيتونها الفلسطيني، ولا تتراجع عن مسيرتها الحضارية.
بلعين مع ذلك، لم تعبر بعد، الى عقول واقلام كتّاب الاعمدة، والى قصائد الشعراء والمغنين، والى اللوحات التشكيلية والى احاديث الناس في الأزقة والشوارع والحواكير.
وبلعين في هذا الواقع المرّ، لا تحزن ولا تيأس، ولا تفقد صلابة سعيها الينا، نحن الذين لم نسمح لها بالعبور، ولم نجرؤ على السعي معها، ومثلها.
المقاومة المسلحة ذات النُخب الفصائلية المحاطة بالسرية والكتمان، أم الانتفاضة الشعبية السلمية العلنية والمكشوفة والشاملة لجميع المواطنين دون استثناء؟ أم لا هذه ولا هذه، في زمن الانهيار والخراب؟ سؤال لا تطرحه بلعين، وانما نطرحه نحن الذين لم نتقن أسس ومبادئ ومواقيت المقاومة المسلحة، فاضطربنا فيها، بعد ان فقدنا انتفاضتنا الشعبية الاولى، والقينا بها وراء ظهورنا، لا سنداً لهذه الظهور، بل مجرد ركام مهمل ومنسي، دون عبرة او درس منه، ودون ذاكرة ودون جملة واحدة في ثقافة الجيل الجديد.
بلعين لا تسأل. ولكنها تصنع الجواب في يوم الجمعة من كل اسبوع، راسخاً وقوياً وواضحاً، كي يتحول في الايام المقبلة، الى جواب يومي، الى مسيرة يومية يتماهى فيها الكبار والصغار، والنساء والرجال، والشجر والبشر والحجر، من رفح الى جنين، حتى يزول الاحتلال والاستيطان والجدار.
بلعين اكبر من اغنية لم توجد بعد، واوسع من قصيدة، ومن لوحة تشكيلية، ومن خطاب قائد سياسي، او عشرين من القادة الذين يملؤون الفضائيات بحضورهم الذي هو وغيابهم سيّان.
بلعين ضمير شعب بأكمله، لا فرق فيه بين فصيل وفصيل، وحزب وحزب، وناطق وساكت، وناشط وهامد. فاذا حوصر هذا الضمير بالخوف والجوع والفوضى، وبنادق الاهل المتصارعين فوق جراحهم، كأن جرحاً صعد يوماً ضد جرح في الجسد الواحد، وبالطائرات والدبابات والجرافات الاسرائيلية، فانه هو الحي المتوارث جيلاً بعد جيل، لا يختنق، ولا يندثر تحت الحصار.
بقلم: علي الخليلي
منقووووووول