منتديات الهنا
(نسخة قابلة للطباعة من الموضوع)
https://alhanaa.me/t327
أنقر هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

... اطمئن.. كله تمام
محمد سعيد 16-03-2006 10:17 صباحاً
... اطمئن.. كله تمام

بعد سنوات من الغربة قرر أبو محمد المصري العودة إلى مصر المحروسة.. عرض الأمر على زوجته وأولاده: حان وقت الرحيل، علينا العودة إلى تراب مصر. فرح الجميع ورحبوا بالقرار، لكن أم محمد عادت إلى الوراء وقالت وهي شاردة الذهن: كيف نسافر على الطائرة ومعنا كل هذه الأمتعة؟ أريد اخذ كل حاجياتي معي، كما أن أسعار تذاكر الطيران باهظة وسوف تلتهم جانباً كبيراً من تحويشة العمر. فكر الرجل وقفزت إلى ذهنه فكرة السفر بواسطة البحر وقال في نفسه: ولم لا وهي الحل الأمثل لنا وتتوافق مع ظروفنا وعددنا.

يوم السفر لم يتوقف هاتف المنزل عن الرنين.. الأهل في مصر يريدون معرفة موعد وصول العبارة القادمة من المملكة العربية السعودية، وزملاء العمل يودعون رفيقهم في مشوار الكفاح والمهنة لسنوات متمنين له حياة سعيدة بعد العودة إلى أرض الكنانة التي غاب عنها طويلاً، وأم محمد تريد أخذ كل شيء معها لأن ذلك كان أحد شروطها للسفر في السفينة.. في الموعد المحدد كانت الأسرة على ظهر العبارة “السلام 98”.. جلسوا جميعا في غرفتهم بعد الاطمئنان على تحويشة العمر، وما تمكنت أم محمد من لملمته في حقائب صغيرة. ومن شدة الإرهاق اصدر أبو محمد فرمانا أبويا للجميع بالخلود إلى النوم ولو لدقائق، حتى يكونوا في احسن صورة، لحظة وصولهم ميناء سفاجة حيث يصطف الأهل في انتظارهم. وفي وقت استجاب فيه الأبناء، واستسلموا للنعاس، الذي سبقهم إليه والدهم كان قلب أم محمد مقبوضاً.. لا تدري لماذا.. تسرب الخوف إلى وجدانها.. خاصمها النوم.. جلست تسترجع سنوات الغربة وكيف مرت بحلوها ومرها.. نظرت إلى أولادها واستعادت ذاكرتها لحظات ميلادهم وكيف تربوا وتعلموا بعيداً عن الأهل والأحباب.

الدقائق تمر بطيئة.. تتحرك بسرعة السلحفاة.. حاولت الأم مراراً إقناع جفنيها بالنعاس لكن بلا جدوى.. وفى لحظة كاد النوم يقترب من عينيها أفاقت على صراخ وعويل.. ازدادت دقات قلبها، وأيقنت انه كان على حق فالقدر يخبئ لها ولأسرتها أمرا تمنت أن يكون خيراً، ولكن كيف والصراخ يزداد والدخان الكثيف واصل غزوه للحجرة الضيقة التي تؤويهم. من دون أن تدرى أيقظت أبو محمد الذي قام مفزوعاً: ماذا جرى؟ وقبل أن تجيبه فوجئ بالدخان يكاد يخنق الجميع.. فتح الباب.. جرى مهرولا.. قابلته كلمات: العبارة تحترق.. المركب تغرق.. عاد إلى حجرته.. أيقظ أولاده.. نسي تحويشة عمره.. تذكر فقط فلذات كبده.. كيف ينجو بهم من هذا الجحيم.. سأل أحد أفراد طاقم العبارة: ما الموقف؟ هل سنموت؟ فكان الرد: اطمئن.. كله تمام. وبعد دقائق غاصت العبارة في مياه البحر الأحمر، وفي بطنها أبو محمد المصري وعائلته وجيرانهم، وجيران جيرانهم قبل أن يتحقق حلمهم برؤية تراب مصر المحروسة.
منقوووول.

منتديات الهنا

Copyright © 2009-2025 PBBoard® Solutions. All Rights Reserved